أعادت الأحداث الدموية لجماعة بوكو حرام الإرهابية في نيجيريا، الحديث عن المشهد الجديد الذي سيواجه منطقة دلتا النيجر، بعد تصاعد عمليات الاغتيال البشعة، التي راح ضحيتها مزراعون أبرياء. لكن في مقابل ذلك، لا تبدو تلك الأحداث بمنأى عن التغيرات الحاصلة في المشهد العام بمنطقة الساحل الإفريقي، التي هي الأخرى مقبلة على تحديات أمنية بالغة التعقيد، بالنظر إلى هشاشة الوضع الأمني والسياسي في أغلب دول المنطقة.
صحيح أن الإرهاب منذ سنوات يتخذ من منطقة الساحل ودلتا النجير ملاذا لزعزعة استقرار الدول، لكن المؤكد أن أهداف الإرهاب بالمفهوم الحديث تغيرت بعد بروز ازدواجية تبرير هجماته على المدنيين، فتارة يبرر القتل بوجود قوى غربية ممثلة في بعثات حفظ السلام الأممية، وهي تمثل الاستعمار ويتطلب محاربتها، وتارة يدعي أن الأنظمة في أغلب بلدان الساحل خارجة عن حكم الشريعة الإسلامية حسب فكرهم التكفيري.
الحقيقة تستدعي منا طرح تساؤلات عديدة عن علاقة الهجمات الإرهابية الأخيرة مع تغيرات المشهد السياسي لأغلب دول المنطقة؟ ولماذا يستهدف الإرهاب أنظمة ودولا فاشلة في إدارة شؤون شعوبها؟
المؤكد أن في الأمر علاقة بفزاعة الدول الفاشلة والإرهاب، التي برزت بشكل كبير منذ هجمات القاعدة الإرهابي في 11 سبتمبر 2001 على أمريكا، حيث يربط خبراء انتشار الإرهاب بمدى هشاشة الدولة!
بالعودة إلى الوراء زمنيا قليلا في الساحل، بالضبط في مالي منذ شهرين تقريبا، أبرمت فرنسا صفقة مع الإرهابيين مقابل الإفراج عن أربعة رهائن، منهم رهينة واحدة فرنسية! مقابل إطلاق سراح 200 إرهابي. جاء ذلك بعد عملية تغيير للمشهد السياسي بعد الإطاحة بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، وتزامن ذلك مع موجة غضب شعبية واسعة ضد بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام التي باتت تخدم أجندات مشبوهة، تعطي الفرصة للإرهابيين للانتقام.
سيناريو الصفقات مع الإرهاب هو أحد المبررات الخفية لبقاء نفوذ الأنظمة الاستعمارية تحت ذرائع تجعل من فزاعة الإرهاب مبررا ضروريا لبقائها وهي معادلة أمنية صعبة الفهم في الساحل الإفريقي.