أثّرت الثورة الجزائرية على تطور الحياة الدولية، بل أدت حتى إلى إنشاء نظام عالمي جديد، مبدأه حق الشعوب في تقرير مصيرها، في ما يعرف بفترة تصفية الاستعمار، فأخذت القضية الوطنية بعدا تاريخيا إنسانيا، شعاره الاستقلال والمساواة والحرية.
مثلما أعلنت معاهدة وستفاليا – التي أنهت حرب الثلاثين سنة في أوروبا- عن نظام جديد شعاره التسامح وفصل الدين عن الدولة، وكرست مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، بتأطير مفهوم الدولة الحديثة، كانت حرب التحرير الجزائرية مرحلة مفصلية في تاريخ الشعوب المضطهدة. مقاربة مثيرة أن نقارن بين العهد «ما بعد الوستفالي»، والعالم ما بعد الثورة الجزائرية.
قد يظن البعض أنه نوع من الاستعلاء والكبرياء أن نفكر في هكذا مقارنة. لكن لِمَ لا وثورتنا حررت العديد من الشعوب التي كانت تئنّ تحت وطأة الاستعمار، لتذوق طعم الحرية والكرامة بعد سنوات من الاسترقاق؟
كيف لا وقد قال عنها الزعيم الثوري الإفريقي أميلكال كابرال «إذا كانت مكة قبلة المسلمين، والفاتيكان قبلة المسيحيين، تبقى الجزائر قبلة الثوار». لمَ لا نفتخر ونفاخر وصدى ثورتنا كان مغاربيا تجلى في تشكيل لجنة تحرير الدول المغاربية، بل وحتى إفريقيا وعربيا؟.
ثورتنا كانت وستبقى عظيمة؛ عظيمة بمداها التاريخي والإنساني؛ عظيمة بمبادئها ومقوماتها؛ عظيمة بصناعها ومفجريها.
ثورة شعبية عارمة، انتقلت لحرب تحريرية ضد أعتى القوى العالمية آنذاك، قل مثيلها في العالم، ودرست في أكبر الجامعات الأوروبية والأمريكية، كأنموذج لثورة شعبية متفردة، في عبقرية من خططوا لها، وفي تنظيم جيش أفراده من أبناء الشعب، لم يخضعوا لتدريب عسكري مسبق، ولم يتخرجوا من أكاديميات عسكرية، سلاحهم إيمانهم بقضيتهم، وعقيدتهم حب الوطن.
ثورتنا لم تضاهيها ثورة أخرى، بشهادة العدو قبل الصديق. فحري بنا أن نكابر، وأن نذكر أن أحفاد المليون ونصف مليون شهيد لن يطأطئوا رؤوسهم، لمن تسول لهم أنفسهم التدخل في شؤون داخلية سيرناها في أحلك الظروف وأصعبها.
لا نقبل الدروس من أحد فتاريخنا يدرس لأبنائكم، ولن نرضخ لمن استكثروا فينا سيادة اكتسبوها منذ أكثر من ثلاثة قرون، بعد حروب أخوية مميتة.
نَفَس الجزائريين طويل، فمن صبر على استعمار دام أكثر من 130 سنة، ولم يستسلم، لا تهزمه لا ادعاءات مغرضة ولا اتهامات باطلة ولن تحيده عن عزمه شحذ الهمم في مواصلة البناء والتشييد لجزائر جديدة. قد نتعثر لكننا أبدا لن ننكسر.