يجزم الخبير في العلاقات الدولية والجيوـ سياسية الدكتور مصباح مناس، أن القيادة الجزائرية بمعية المؤسسة العسكرية، أحبطت مخططات لاستهدافها، مخططي «أ» و»ب»، وستحبط المزيد منها، على ضوء تكالب الدول الغربية، بمسميات عديدة منها «أكذوبة» حقوق الإنسان، أو حتى عودة نشاط الجماعات الإرهابية بليبيا، فضلا عن «التخلاط» الحاصل على الحدود الغربية للبلاد، وكلها تحت غطاء محاولة استدراجها للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
– «الشعب»: تعيش الجزائر اليوم وسط محيط ملتهب، غذّاه عودة نشاط الجماعات الإرهابية بليبيا وبقيادة جديدة، ما هي التحديات التي تواجه البلاد اليوم؟
مصباح مناس: يجب أن نفتح قوسا، أنه عندما نتحدث عن محاربة الإرهاب، فالجزائر تعتبر من الدول الرائدة فيما يتعلق بمحاربة الظاهرة باعتراف واشنطن، وهذا ليس منًّا من أمريكا على الجزائر، بل هذا واقع.
يضاف إلى هذا، عامل الكيان الإسرائيلي في المنطقة العربية. مع العلم أن الجزائر من الدول القليلة التي مازالت تحتفظ بموقفها السابق فيما يتعلق بالصراع العربي- الإسرائيلي، فلا تطبيع من دون أن يتحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وهذا كلّفها ضريبة غالية.
وأعتقد أن عودة الجماعات الإرهابية على الحدود بليبيا ليس غريبا، إنما هي من بين مخططات إعادة توزيع الأدوار، يبقى مصدرها واحدا، وهي جماعات لا تعمل لوحدها، بل تحرّكها أياد خارجية ومخابرات عالمية.
فتعدد الجنسيات في الجماعات الإرهابية ليس جديدا أو مفاجئا أو ما شابه ذلك، ومنه نرى أن إدخال الجماعات الإرهابية على مختلف تسمياتها، كان بتواطؤ الجماعات الموجودة على حدودنا، في إطار مخططات لضخّها داخل الجغرافيا، لضرب استقرار الدولة الجزائرية، وهذا لن يتحقق.
وأنا أعتقد أننا اليوم نعيش تعديلا لمخططات الفوضى بعد الربيع العربي في حالات مثل سوريا وغيرها، ومع ذلك تبقى تلك الجماعات عامل تهديد للأمن في المنطقة.
– برأيك، كيف ستتعامل الجزائر مع المستجدات الحالية؟
دور الجزائر ليس جديدا وهي مستمرة في نفس الإجراءات التي بدأتها منذ سنين طويلة فيما يتعلق بتأمين الحدود المترامية الأطراف. وهنا يجب أن نفتح قوسا، وهو أن المؤسسة العسكرية لعبت دورا كبيرا، حيث أخذت كل احتياطاتها لمنع تسرّب الجماعات الإرهابية على الحدود الجزائرية، فلا غبار على دور الجيش فيما يتعلق في المجال.
أما الجانب الدبلوماسي، فهناك ازدواجية بالنسبة للدول الغربية في المعايير، من ناحية تتكلم عن الجماعات الإرهابية ومحاربتها، ونجدها في بعض الحالات قد تدعمها سرّا أو علنا، وبالتالي هناك توظيف للظاهرة. بدليل، أنه وإلى يومنا هذا لم نصل بعد إلى تحديد مصطلح متفق عليه دوليا بما يسمى بالحرب على الإرهاب، وهذا إن دلّ على شيء يدلّ على أن هذه الدول تريد الإبقاء على هذا المصطلح بدون تحديده، وهذا حتى يكون هناك هامش مناورة والتوظيف له حسب الحاجة والضرورة.
– تسبّب المغرب، بعد خرقه الواضح لاتفاق وقف إطلاق النار مع جبهة البوليساريو بالصحراء الغربية، بعودة التوترات إلى المنطقة الحدودية الغربية للبلاد، في رأيكم كيف سيؤثر على الداخل؟
قلتها منذ سنوات، وهو أن ما يحصل في الجزائر هو عملية تطويق استراتيجي للحالة الجزائرية، من تدمير الدولة في ليبيا، وأيضا قضية الصحراء الغربية التي عادت إلى الواجهة بقوة، ضف إلى عدم استقرار منطقة الساحل، وكلّها قضايا تدخل في حالة خنق استراتيجي للجزائر.
ولهذا دائما أقول، يجب العودة للعامل الإسرائيلي في المنطقة. فعندما نتكلم عن التطبيع في العالم العربي، نقول إن كرة الثلج تتدحرج، والجزائر بقيت من الدول الصامدة. الأكيد أن أحد أهداف المخططات هو الضغط بأقصى حدّ على الجزائر كي تلتحق بالصّف، لأهمية الجزائر كدولة رائدة في المنطقة.
وأكيد الصدى سيكون أكبر بكثير من دولة أخرى، ولهذا السبب ستتعرض لهكذا ضغوطات. لكن وبالمقابل فللجزائر القدرة والإمكانات على إدارة هذه المرحلة الصّعبة، والخروج منها بأخفّ الأضرار، ونحن نسير في هذا الاتجاه.
– كيف ترى توقيتها وما مدى تأثير لائحة الإتحاد الأوروبي، التي فبركت واقعا لحقوق الإنسان غير موجود في الجزائر؟
أكذوبة حقوق الإنسان التي توظفها الدول الغربية، هي تدخّل سافر في الشؤون الداخلية، خاصة وأننا نعرف أن الدول الغربية لها مشاكل كبيرة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، سواء مع الأجانب وحتى مع مواطنيها، وبالتالي هي توظيف في مرحلة معينة تدخل في لعبة الضغط ليس أكثر.
ولا ننسى أن هناك تعاظم للمصالح الجزائرية الصينية، وتأكيد العلاقات الجزائرية الروسية، وهناك أيضا توجه جزائري نحو طريق الحرير الجديد. فأوروبا لم تغير نظرتها إلى القارة الإفريقية ككل، وعلى رأسها فرنسا. فهي تريد إبقاء هذه المناطق مناطق نفوذ أوروبية بحتة. لذلك وفي اعتقادي، فإن هذا أحد الأسباب التي تجعل أوروبا توظف كل أوراقها للضغط على الحالات البارزة، وعلى رأسها الجزائر لتعديل سلوكها السياسي، وما قضية حقوق الإنسان إلا ورقة ضغط ليس أكثر وليس أقل.
– كيف ترى مستقبل العلاقات مع الإتحاد الأوروبي؟
لا يخفى على أحد أن لأوروبا مصالح، وأكيد أن الدول الغربية ستراعي الأمر. لذلك فقضية حقوق الإنسان ستتراجع إلى الوراء، وتغلّب هذه الدول مصالحها على حساب التوظيف للشعارات. نحن نعرف أنها أبعد ما تكون على أن تستعملها ورقة ضغط على الدولة.
– ضغط أوروبي… حدود ملتهبة… عودة جماعات إرهابية، كيف ستواجه الجزائر الراهن؟
أهم شرط لمواجهة التحديات هو تماسك الجبهة الداخلية. والدولة الجزائرية قامت بمجهودات كبيرة في المجال، رغم أزمة كورونا وتأثيرها على اقتصاديات كل دول العالم. مع ذلك، فالجزائر قادرة على إدارة الأزمة ومواجهة كل التحديات بتماسك الجبهة الداخلية. ونحن قادرون على ذلك، بل أن الجزائر في مرحلة إدارة هذه المرحلة المتوقعة.
لذلك، يجب أن نؤكد على أن ما يحصل ليس مفاجئا، فالقيادة الجزائرية كانت مستعدة مسبقا. وأتذكر أن الرئيس عبد المجيد تبون في أحد تدخلاته، قد حذر من مخططات لاستهداف الجزائر عندما قال: «كان هناك مخطط «أ» وفشل. وسيكون المخطط «ب» وسيفشل وسيكون المخطط «ج» وسيفشل أيضا.