أقدمت وزارة الثقافة والفنون على خطوة محمودة تضمنت إبرام عقود عمل أطلقت عليها «عقود النجاعة» تهدف إلى إرساء حوكمة جديدة للمؤسسات المسرحيّة بما يحقق الفعاليّة المطلوبة.
الأكيد أن هذه الفعالية تأتي في سياق ورقة طريق والتزام ضمني يلتزم من خلاله المتعهد بتحقيق ما جاء في شروط العقد، حتى وان كانت المدة التي منحتها الوصاية بسنتين قابلة للتجديد، راعت فيها الميزانية المخصصة لذلك، إضافة إلى الموقع الجغرافي والكثافة السكانية وأقدمية المنارة في تلك الولاية، فهناك مسارح جهوية تعود إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، تداول على ركحها صناع الفن السابع في الجزائر وكانوا من الرعيل الأول للمسرح المتنقل، ومنها من لا تزال تحمل بصمات فقيد الركح علولة، بسطانجي، بودية، مجوبي وغيرهم.
في الجهة الأخرى هناك مسارح صنعت لنفسها اسما في الذاكرة الفنية للخشبة وعمرها اقل بكثير من سابقاتها مثل مسارح باتنة، مستغانم، بسكرة، العلمة، لذلك تعمّدت الوصاية اختيار ميزة كل منطقة ومدى قدرتها في التجاوب مع الجهور، فهناك مؤسسات منتجة للثقافة وهناك مدن مستهلكة الثقافة، لذلك وجب الوقوف على المبادرات والرهانات التي يجب رفعها عند كل مؤسسة.
قبل إبرام عقود النجاعة مع مديري المسارح الجهوية يجب إعادة النظر في السياسة المسرحية لهذه المنشآت الثقافية، بالوقوف على حصيلتها الأدبية والمالية، ماذا قدمت للمشهد الثقافي من مادة تحفظ بها ماء وجهها أمام بقية المسارح الأخرى الأقل منها شأنا وميزانية ومكانة وتاريخا.
بعض المسارح يفوق عدد العاملين بها أضعافا مضاعفة لعدد الممثلين المسرحيين، والبعض الأخر يفتقد لأموال يسدد بها ديون عالقة، والبعض الآخر ينتج أعمالا ذات قيمة فنية ومعرفية كبيرة، لكنها تقبر داخل قاعات العرض ولا تسمع لها همسا، ويضيع الجهد والإخراج على صفحة بيضاء، يكون المسؤول طرفا فيها بامتناعه على تلبية قائمة مشتريات او الترخيص بتوفير وسيلة نقل او تسديد أجور فرقة شبابية هاوية فجرت طاقاتها المكنونة، لكنها فشلت في النفاذ من تقاعس موظف إداري، لا علاقة له بأبي الفنون .
المُشاهد اليوم يبحث عن الفرجة والتعاطي مع العروض الهادفة، مع وجود سبات موسمي فرضته السياسات الثقافية السابقة وعمقت جائحة كورونا الفارق بأضعاف مضاعفة.
الوصول إلى الغاية المطلوبة قائم إذا توفرت الإرادة الحقيقة والروح الإبداعية، وتوفر الإرادة والإبداع مرهون بتفهم الإدارة واستجابتها لمطالب الفرق المسرحية ومساعدتها بتذليل الخطوات، وتوفير الظروف المساعدة والحاضنة على إنتاج أحسن نص مسرحي يكون واجهتها الحقيقية أثناء العرض.
فإذا كانت عقود النّجاعة تدخل في إطار ضمان السير الحسن للمسارح الجهوية وإضفاء شفافية ونجاعة أكبر على التسييرين الإداري والفني، فعلى مديري المسارح المعنيّة السهر على تحقيق ذلك وفق الآجال المحددة سلفا دون تأخير، لأن هناك سلّم تقييم لأدائهم، فهناك مؤسسات لا تزال تغرق في البيروقراطية وليس باستطاعتها إنتاج مسرحية واحدة في السنة.