دعا الخبير في علم النفس الدكتور احمد قوراية إلى توّخي الحيطة والحذر من الفيروس، واحترام التباعد الاجتماعي، والتغلب على الخوف والضغوطات والقلق، وممارسة الحياة بشكل طبيعي لتجاوز الأزمة، لأن تزاوج أزمة الصحة الجسدية والنفسية يحدثان دمارا للحياة كلها، فالوقاية من المرض أساس لبناء ركيزة أساسية يستند إليها كل من الجسم والنفس معا، مقدما تحليله للحالة النفسية التي يعيشها الجزائريون اليوم وقد ارتفع عدد الإصابات لما يزيد عن الألف، مع تزايد عدد الوفيات من خلال هذا الحوار لـ «الشعب».
«الشعب»: كيف هي الحالة النفسية للجزائريين بعد ارتفاع حالات الوفيات بكورونا في الأسابيع الماضية؟
د. أحمد قوراية الخبير: بعد الإعلان عن ظهور موجة ثانية من جائحة كورونا وما صاحبها من ارتفاع في عدد المصابين الذي تخطى عتبة 1000 إصابة، بحسب ما أعلنته لجنة رصد ومتابعة فيروس كورونا كوفيد 19ـ تزايد بالتالي عدد الوفيات بهذا الوباء الذي يتجه نحو منحى تصاعدي، ما زاد معه حالة تخوف المواطن وأحدث في نفسه هلعا وارتباكا من الوضعية الصحية.
وهذا طبيعي جدا، لأن عدد الوفيات ارتفع طرديا مع عدد المصابين المتزايد، لكن هذا الخوف سيؤثر سلبا على الجهاز المناعي الذي يعد قوّة دفاعية في جسم الإنسان، وكان ذلك نتيجة الإشاعات التي يتلقاها الفرد يوميا من محيطه الاجتماعي وعبر منصات التواصل الرقمي، حيث أصبح كل من يحمل الفيروس يضع نصب عينه الموت الحتمي.
وهذا خطأ فادح وهو من يزيد في عقدة شدة الخوف لدى الشخص المصاب، وأيضا على محيطه العائلي وكذا المجتمع برّمته، أعود وأقول إن الحياة والموت بيد الله تعالى، والموت غير مرتبط بالمرض، بل «لكل أجل كتاب»، وعليه لابد من الحفاظ على التوازن النفسي، لأن الفيروس أضحى معلوما لدينا ليس كما في السابق، « جديد ومرعب» وعلينا التوّخي بالحيطة والحذر منه واحترام التباعد الاجتماعي.
– دخل الفيروس في عقل أو نفسية الأشخاص قبل أجسادهم، حيث أصبح الحديث عنه أكثر من غيره، لدرجة الوسواس، أي تحليل لهذا الواقع؟
نعم كل ما يدور من نقاش اليوم في المجتمع أو داخل الأسرة هو موضوع الوباء الفتاك، الذي لم يرحم لا صغير ولا كبير، وحديث الكبار أصبح حول عدد الإصابات المتزايدة وعدد الموتى، وهذا الحديث أصبح هو الموضوع الطاغي في يومياتنا، حتى في شاشات التلفزيون في كل العالم وحتى مواقع التواصل الاجتماعي فايسبوك وغيرها، وبطبيعة الحال يكون هناك تأثير نفسي قد يصل إلى حد الوسواس القهري، وتغير المزاج لدرجة العدوانية.
التعقيم والتنظيف والاهتمام الزائد عن الحد ينتج ضغطا نفسيا
– الأطفال أصبحوا يترقبون الأرقام وينتظرون متى تتوقف الدراسة، كيف تفسر ذلك؟ وكيف يتصرف الأولياء حيال ذلك ؟
هذا النقاش الذي يدور في الأسرة حول الوباء، ينقص من عزيمة ورغبة العيش ويضرب مباشرة التفاؤل لدى الأطفال ويوّلد لديهم نوعين من الخوف النفسي والمرضي: الأول يخاف أن يصاب ويموت والخوف الثاني هي «الفوبيا «التي يشعر بها بأنه ربما ينقل المرض لوالديه الكبيرين في السن، وربما مصابون بمرض مزمن فهنا تنقص عملية التركيز في التحصيل العلمي ويكون شارد الذهن ربما تخوف من نقله إلى أعز الناس إليه، وهنا ربما يشعر براحة لو أغلقت المدارس في هذه الظروف.
لهذا كل الأطفال يبحثون عن الهروب إلى الأمان النفسي والاجتماعي، وحتى الأولياء اليوم يعيشون «الفوبيا المرضية «من هذا الوضع الحالي لأطفالهم خوفا من نقل الفيروس لهم، ولهذا نجد الأمهات يعشن الهلوسة المرضية، فهن يركزن عن التعقيم والتنظيف والاهتمام الزائد عن الحد وهذا ينتج الضغط النفسي المرضي.
على الإنسان أن يتقبل نفسيا وعقليا وجسديا التحوّلات السريعة المفاجئة
– هل يوجد وسيلة عملية أو شيء ما يمكن أن يمارسه المرء للتخفيف من الآثار النفسية السلبية لفيروس كورونا؟
الوسيلة العملية التي يجب علينا أن نمارسها للتخفيف من الانعكاسات السلبية لفيروس كورونا هي كما يلي: أولا ينبغي بأخذ كل الأسباب الوقاية والنظافة كأنها هي كل شيء.
ثانياالتوّكل على الله كأنه لا توجد الأسباب، فالإيمان بالله وبأقداره شرها وخيرها، ترفع معنويات الناس لدرجة أكبر، مما يزيد من الثقة النفسية التي بدورها تحارب الرعب والخوف النفسي المرضي، وينبغي على الإنسان أن يتقبل نفسيا وعقليا وجسديا التحولات السريعة المفاجئة وأن يتشجع أكثر وبشكل أفضل حتى يكسب لبدنه المناعة الموجودة والإضافية، لأن الخوف والهلوسة والرعب النفسي يستدعي الأمراض النفسية أولا، ثم الأمراض العضوية ثانيا، ويتغير للسلبية المزاجية ويضعف في المناعة ويكون وسطا نفسيا مهيأ لهذا الوباء.
فالجانب النفسي هو المهم وهو المحرك للجانب العضوي كلما أخذ الفرد احتياطاته للوقاية كلما اقتنع نفسيا وجسديا بأنه يعيش عاديا، وكلما قام ببعض الممارسات الترويحية والترفيهية كلما حافظ على التوازن النفسي العقلي والنفسي، وكلما ارتكز على البعد الروحي من العبادة كقراءة القرآن، كلما اكتسب مناعة الجسم أكثر، لأنه يستمد قوة نفسية ومزاجية ومن ذلك ويحافظ على التوازن النفسي.
وعلى الشخص التغلب على الخوف والضغوطات والقلق وأن يرفه عن نفسه، وممارسة الحياة بشكل طبيعي لتجاوز الأزمة، لأن تزاوج أزمة الصّحة الجسدية والنفسية يحدثان دمارا للحياة كلها، فالوقاية من المرض أساس لبناء ركيزة أساسية يستند إليها كل من الجسم والنفس معا.