كشفت المختصة في المناعة وأمراض الحساسية الدكتورة منى بوعشة في حوار مع «الشعب»، أن مرضى كوفيد -19، مهددون بالإصابة بأعراض جانبية بعد فترة من الشفاء كالربو والسكري وأمراض تمس القلب والشرايين. وأشارت الدكتورة بوعشة إلى أن هذه الآثار الجانبية شخصها أطباء مختصون في الجزائر، محذرة من خطورة الموجة الثانية للفيروس، التي تحتم على الجميع أخد الاحتياطات والالتزام بإجراءات الوقاية.
«الشعب»: ما تفسيركم لتدهور الوضعية الوبائية في الجزائر؟
د.منى بوعشة: نحن نعيش موجة ثانية من الوباء، أكثر شراسة من الأولى والدليل على ذلك ارتفاع عدد الإصابات اليومية ومعدل الوفيات بشكل غير مسبوق، وذلك راجع أولا لعدم الالتزام بالإجراءات الوقائية والاستمرار في إقامة الأعراس والحفلات وحضور الجنازات.
وأعتقد أيضا أن الفيروس تحول نشاطه عدة مرات، فلم يعد قليل الخطورة كما كان في الموجة الأولى بل أصبح متغيرا، والدليل على ذلك اختلاف الحالات في الموجة الثانية، إذ يوجد العديد من المرضى الذين تظهر عليهم أعراض خفيفة في الأسبوع الأول على شكل حمى وآلام في الرأس، ولكن يصاب الكثير منهم في الأسبوع الثاني بمضاعفات وتعقيدات صحية مفاجئة كضيق واضطراب في التنفس ونقص الأوكسجين ومشاكل في الرئتين، ما يتطلب تكفلا استعجاليا في مصالح الإنعاش.
في حين أن بعض الحالات في الأسبوع الأول يعانون من أعراض صعبة تصل إلى ضيق في التنفس واختناق ولكنهم يشفون منه، ويفقد آخرون فقط حاسة الشم والتذوق دون ظهور علامات أخرى، وتأتي حالات أخرى على شكل آلام في البطن وإسهال وقيء.
وبالتالي فعلى المريض الذي يصاب بأعراض مختلفة وتتطور مع الأيام كالشعور بآلام في العضلات والرأس والحمى وبعدها فقدان حاستي الشم والذوق أن يتوجه إلى الطبيب لتشخيص حالته في وقت مبكر.
– ما مدى حقيقة إمكانية إصابة المتعافين من كورونا بأمراض أخرى؟
نعم توجد الكثير من الأعراض الجانبية التي يمكن أن يصاب بها مريض كورونا بعد فترة من الشفاء، كاحتمال الإصابة بربو مزمن لأول مرة أو السكري، وأعراض تمس القلب والشرايين وحتى الجلد، وهو ما أكده بعض المختصون في الجزائر من خلال تشخيص مثل هذه الحالات.
فالمصاب بفيروس كورونا معرض لأمراض أخرى بالرغم من الشفاء التام منه، ولكن هذا لا يعني أن الجميع قد تظهر عليهم آثار جانبية بعد مرحلة العلاج والتعافي من الفيروس، وإنما حسب حالة كل شخص ومناعة جسمه.
أنا شخصيا استقبلت العديد المرضى الذين أصيبوا بفيروس كورونا، والآن أصبحوا يعانون من الربو والمشكل أن ضيق التنفس يستمر لديهم لمدة شهرين أو أكثر، ولكن يمكن للدواء المخصص للربو في المراحل الأولى أن يساهم في شفائهم، خاصة وأن المرض ظهر بعد الإصابة بـ»كوفيد ـ19».
وسبق أن قمت بتشخيص حالات إصابة ببقع في الجلد، تبين أنها من علامات الإصابة بكورونا، والبعض تستمر لديهم لمدة معينة بعد الإصابة، والأمر مختلف لدى المرضى الذين يصابون بالسكري، فسيكون بالنسبة لهم مرضا مزمنا يتطلب أخد أدوية خاصة بمرضى السكري بشكل دائم حسب كل حالة.
ولكن الطبيب المختص وحده القادر على تأكيد ذلك، كما يوجد بعض المرضى الذين لم يستعيدوا حاسة الشم والتذوق لمدة طويلة تصل إلى 5 أشهر بعد الشفاء من الفيروس تماما.
كما يمكن أن يتسبب الفيروس في آثار جانبية على شكل اضطرابات هرمونية وأمراض تصيب الشرايين وغيرها من المشاكل الصحية التي يحددها كل مختص.
– هل صحيح أن إصابة المريض بـ 10 بالمائة لا يتسبب في نقل العدوى إلى آخرين؟
تطور الفيروس في الجسم يختلف من شخص إلى آخر حسب المناعة واعتقاد الكثير من المرضى أن إصابتهم بالفيروس بنسبة 10 بالمائة تمنع نقلهم للعدوى إلى الآخرين أمر خاطئ، الحقيقة أن الفيروس نفسه ولا يحدد بنسبة وإنما بمناعة كل مريض، ودرجة الإصابة بالفيروس ليست مؤشرا على عدم نقل المصاب بالفيروس لشخص آخر، وإنما جميع الاحتمالات واردة على ضوء عدم توفر المعلومات الدقيقة لحد الآن حول هذا الوباء.
والكارثة أن الكثير من المرضى بعد فترة من العلاج، يحتكون بالمواطنين في الشارع ويذهبون إلى العمل ويرسلون أبناءهم إلى المدارس اعتقادا منهم أن نسبة الإصابة ضئيلة، فيتسببون في نشر الفيروس والأخطر أن بعض الفئات إصابتها بـ 10 بالمائة، يمكن أن تتسبب لهم في مضاعفات خطيرة تصل إلى الوفاة، فالإصابة بـ 10 بالمائة بفيروس كورونا لا تعني أن الشخص غير معرض للمضاعفات والتعقيدات الصحية.
نذكر أن فيروس كورونا يمر بثلاث مراحل الأولى من صفر إلى سبعة أيام تأتي على شكل تشنجات على مستوى عضلات الجسم وآلام في الرأس والتهاب الحلق والحمى وهي علامات مشابهة للإصابة بالزكام أو الأنفلونزا الموسميةـ والتأكد منها يتم عن طريق تشخيص الطبيب للحالة وإجراء التحاليل اللازمة.
ومن المستحسن تفادي القيام بتحاليل مصل الدم في الأيام الأولى ابتداء من اليوم العاشر بعد ظهور الأعراض، وينصح بإجراء فحص «بي سي آر» الذي يثبت حقيقة الإصابة في أي وقت كذلك تقنية «بي .سي.آر» و»أونتي جان» التي توفرها بعض المخابر بأسعار منخفضة في متناول الجميع.
– هل صغار السن وغير المصابين بأمراض مزمنة معرضون لمضاعفات الفيروس ؟
نعلم جميعا أن كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة كارتفاع الضغط الدموي والسكري وأمراض القلب والأمراض التنفسية ومرضى السرطان، الذين يخضعون لجلسات العلاج الكيميائي أو الإشعاعي، هم الأكثر عرضة لمضاعفات الفيروس نظرا لنقص مناعتهم، بالتالي فإنه من الصعب أن يتغلب جسمهم على الفيروس مقارنة بأشخاص ذوي المناعة القوية.
ولكن في هذه الموجة الثانية من تفشي الفيروس اختلف الأمر، وتم تسجيل على مستوى مصالح الإنعاش بالجزائر في الفترة الأخيرة إصابة صغار السن أصحاب العشرينات والثلاثينات بمضاعفات خطيرة بسبب فيروس كورونا وصلت إلى حد الوفاة، بالرغم من عدم إصابتهم بأمراض أخرى مزمنة.
لذلك فإننا ندعو الشباب إلى عدم الاستهتار بقواعد الوقاية اللازمة لحماية أنفسهم ومن حولهم من الإصابة بالمرض، لأن الجميع أصبح معرضا لخطورة هذا الفيروس ولا يقتصر الأمر على الكبار فقط، علما أن الكثير من الحالات الذين يعانون من أمراض خطيرة تماثلوا للشفاء تلقائيا دون الحاجة إلى علاج استشفائي وآخرون تجاوزوا مرحلة الخطر.
– هل سجلت حالات لمرضى تعافوا من الفيروس وأصيبوا به مجددا ؟
نعم يوجد الكثير من المرضى الذين أصيبوا بالفيروس في بداية انتشار الجائعة وتماثلوا للشفاء، وبعد شهرين أو ثلاثة أشهر تتجدد إصابتهم بالمرض، علما أن المعلومات المتداولة حول عدم إصابة المريض مجددا بالفيروس إلا بعد 5 أشهر غير صحيحة، لأن تكرار الإصابة لا يمكن تحديدها بفترة معينة.
ولا يقتصر الأمر على الأشخاص الذين عانوا من مضاعفات خلال فترة مرضهم الأولى، بل تم تسجيل حالات ظهرت عليهم أعراض خفيفة، ولكنهم اكتشفوا إصابتهم بكوفيدـ19 في الموجة الثانية، بعد تشخيص المرضى وإجراء تحاليل ال» بي سي آر»، التي أثبتت بأنها إيجابية لاسيما وأن هذا الفحص يعد الوسيلة الأكثر فعالية ودقة في تحديد وجود الفيروس في جسم المريض وتقديم النتائج الصحيحة حول حقيقة الإصابة.
ولكن هذا لا يعني أن الجميع معرضون للمرض مرة أخرى، فهناك الكثير من المصابين بالفيروس في الموجة الأولى لم تتجدد إصابتهم بالرغم من احتكاكهم بأشخاص، ظهرت عليهم أعراض الفيروس خاصة بين أفراد العائلة الواحدة، حيث تجد شخصا أو شخصين مصابين بالفيروس وآخرون لم يلتقطوا العدوى وواحد منهم يتوفى بسبب الإصابة والآخرون يتماثلون للشفاء.
– ما رأيكم في استهلاك المضادات الحيوية بدون وصفة طبية؟
استهلاك المضادات الحيوية لعلاج فيروس كورونا بطريقة عشوائية وبدون وصفة طبية أمر خطير يجب إنهاؤه لأن الخلط بين الأدوية وعدم احترام الجرع المحددة يؤدي إلى مخاطر صحية يجهلها الكثيرون، لذلك فإن المسؤولية لا يجب أن تقع على عاتق الأطباء، وإنما على الصيادلة الذين لهم دور كبير في التشجيع على استهلاك المضادات الحيوية من خلال بيعها دون وصفة طبية، ولحسن الحظ أن دواء الهيدروكسي كلوروكين متواجد في المستشفيات فقط ولا يسوق في الصيدليات وإلا كانت قد وقعت كارثة خاصة وأن أخده يتطلب مراقبة طبية صارمة لتفادي آثار جانبية تمس القلب.
كما أنبه أنه منذ بداية الجائعة والطواقم الطبية التابعة للقطاعين العام والخاص يبذلون أقصى المجهودات لمواجهة الأزمة ويعملون تحت الضغط في سبيل التكفل بالمصابين بكوفيد -19 بالرغم من أنهم معرضون بدرجة كبيرة لخطر الإصابة بالفيروس بسبب احتكاكهم الدائم بمختلف الحالات، زيادة على ذلك أن أغلبية الأطباء فضلوا الاستمرار في العمل دون أخذ الإجازة لخدمة المريض ولكن في المقابل لم يجدوا الدعم والمساندة من قبل الكثير من المواطنين بسبب نقص الوعي وعدم الالتزام بإجراءات الوقاية وتعمد إقامة حفلات الأعراس والختان وحضور الجنائز، الأمر الذي ساهم في رفع عدد الإصابات.
– بعد مرور أكثر من 10 أشهر من اكتشاف الجائحة ،هل توصل الباحثون لمعرفة جميع التفاصيل المتعلقة بهذا الفيروس؟
لحد الآن ما يزال وباء كورونا غير معروف في جميع دول العالم، بالرغم من المجهودات المبذولة من كبار العلماء والباحثين لاكتشاف جميع المعلومات والتفاصيل المتعلقة بهذا الفيروس، خاصة وأنه في كل مرة يكشف عن مفاجآت غير متوقعة والدليل على ذلك أن اللقاح المضاد للفيروس لم يؤكد فعاليته في الوقاية من الإصابة به بنسبة كبيرة، الأمر الذي صعب من مهمة مكافحته بل تمكن من إصابة الملايين وحصد عدد كبير من الأرواح والحصيلة ترتفع يوميا عبر العالم، ولكن اللقاح المضاد للكورونا يعد أملا ومؤشرا إيجابيا لقرب القضاء على الفيروس.
كما أشير إلى أن دواء «الكلوروكين» لم يعد يستعمل بكثرة في علاج المصابين بفيروس كورونا مقارنة ببداية انتشار الوباء وإنما أصبح أغلبية الأطباء يعتمدون على المضاد الحيوي و»الكورتيكوييد»، ولكن لا ننكر أن برتوكول علاج كورونا أعطى فعاليته في علاج عدد كبير من المرضى مع عدم تسجيل أي آثار جانبية للخاضعين له إلى حد الآن كما كان شائعا في بدايات استعماله.
– هل الالتزام بإجراءات الوقاية كفيل للقضاء على الفيروس؟
لا يمكن القضاء على الفيروس تماما وإنما التحكم في خطورة الوباء مرهون بمدى التزام الجميع بقواعد الوقاية اللازمة وعدم الاستهتار بالوضع الوبائي الصعب الذي تشهده الجزائر في الفترة الأخيرة فعلى الجميع ارتداء القناع الواقي وتفادي التجمعات والحفاظ على مسافة التباعد الجسدي بين المواطنين.
بالإضافة إلى ضرورة التصريح بالمرض في أماكن العمل لتفادي نقل العدوى إلى الآخرين وتطبيق العزل الذاتي في حال الشعور بأي علامة من علامات الإصابة بفيروس كورونا، والابتعاد عن الآخرين وعدم الخروج للاحتكاك بالمواطنين، وعلى الأولياء منع أبنائهم من الذهاب إلى المؤسسات التربوية، لتفادي نشر الفيروس بين التلاميذ لأنه يوجد بعض الأشخاص حاملين الفيروس ولكن لا تظهر عليهم الإصابة فإذا تأكد مرض أحد أفراد الأسرة أو ظهرت عليهم علامات المرض يجب عليهم تطبيق الحجر الصحي المنزلي مدة 14 يوما.
في الأخير أنبه إلى نقطة مهمة وهي أن جميع الأطباء يعملون في ضغط كبير ويبذلون قصارى جهدهم للتكفل بالمرضى وليس صحيحا أنهم يرفضون استقبال الحالات الحرجة والتي بحاجة إلى تكفل استعجالي في المراكز الاستشفائية العمومية.
فمثلا عملت لسنوات بمصلحة الاستعجالات الطبية بمستشفى بير طرارية، لم يسبق لنا أن أرجعنا مريضا لديه حالة استعجالية من المصلحة، والآن في عيادتي الخاصة بالسويدانية نسهر على التكفل بجميع المرضى بمن فيهم المصابون بفيروس كورونا، حيث أصبحت بمثابة مصلحة خاصة بكوفيد -19، لأن أغلبية الوافدين عليها يشتبه في إصابتهم بالفيروس، فالضمير المهني والإنساني لا يسمح لأي طبيب أن يقوم بمثل هذه التصرفات.