تلقّت المملكة المغربية أجرها كاملا غير منقوص بتطبيع «المقايضة» العلني مع إسرائيل أو هكذا يهيّأ لها متجاهلة حقوق الشعبين الفلسطيني والصحراوي، ضاربة عرض الحائط بمبدأ تقرير المصير وحق استعادة الدولتين المستعمرتين لحريتهما وبسط سيادتهما على أرضيهما، بعد أن غلبت مصلحتها ووضعتها فوق كل اعتبار، حيث بدا السيناريو الذي جنحت فيه المغرب تحت أقدام العدو الصهيوني مخجلا لأنّ الذريعة جاءت متطابقة مع عبارة «ذنب أقبح من عذر»، دعّمت مستعمرا ظالما ليدعمها في الهيمنة على مستعمرته في القارة السمراء.
أيّ سلام هذا الذي يقام على أنقاض شعب عريق وأرض مقدّسة؟أيّ سلام يقام على حساب حرية ودماء الأبرياء؟ لأنّه كان من الممكن أن يبرم هذا الاتفاق دون المتاجرة بحقوق شعوب مظلومة، وأقل ما يقال إنّها خطوة مشبوهة، لكنها دون شك ستضاعف من قناعة الشعبين الفلسطيني والصحراوي أنّ السلام الذي يرسى عبر محادثات هاتفية استعراضية، سيزيد من إصرارهما على مواصلة الكفاح، الطريق الوحيد نحو استعادة الأرض المغتصبة والحرية المصادرة.
في خضم مباركة الدولتين المطبعتين، مازالت أصوات من داخل منظومة الحكم الأمريكية، ترفض تلك الصيغة الجائرة وتطالب بإنصاف أصحاب الحق، على إثر استنكار السيناتور الجمهوري جيم إينهوف، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، بقرار الرئيس المنتهية عهدته ترامب، حيث لم يتردّد بوصفه بـ «الصادم والمحبط للغاية»، أي تجاهل استعادة الصحراويين لبلدهم. وبدا مقتنعا أن سكان هذه المنطقة، يجب أن يصوّتوا في استفتاء لتقرير مصير مستقبلهم، ويعتقد أن فريق الرئيس لم يحسن النصح له.
مازالت موجة التطبيع شوكة في حلق الفلسطينيين، وضربة قاصمة لظهر أي مفاوضات سلام جدية وندية لافتكاك مطلب قائم منذ فترة طويلة، متمثّلا في استعادة الأراضي الفلسطينية وعودة الفلسطينيين إلى ديارهم، وفي ظل تسارع الوتيرة بعد أن كان الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية، شرطا لجميع الدول العربية لإقامة أي علاقات مع الكيان الصهيوني، لكن حاليا تغيّرت المبادئ والتوجهات بشكل جذري، حيث صارت هذه الدول لا يهمها سوى التقرب من مركز القوة العالمي باستمالة رضا أمريكا ومدلّلتها إسرائيل، غير أنّ الدول التي تسلّلت نحو التطبيع غير مدركة لنتائجه على المديين المتوسط والطويل، ستفاجأ مستقبلا عندما تسقط في شباك صيّادها، لأن إسرائيل تضمر مكرا شديدا، ولا يمكن أن يؤتمن لها جانبا..والوقت وحده كفيل بصفع المخطئ عندما لا ينفع الندم.