تستمر القراءة في تبعات الإعلان الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول توقيعه لاتفاق يقضي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية وبالمقابل موافقة المغرب على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، هذا التصرف الذي اعتبره الأستاذ ياسين سعيدي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بجامعة محمد طاهري ببشار في حوار حول تأثيراته على مستقبل المنطقة في ظل هندسة جديدة للعلاقات الدولية تجاوزا للتفسير البرغماتي للسلوكات الدولية.
الشعب:دعنا في البداية نتعرف على موقفكم من قرار المغرب مقايضة التطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل اعتراف الإدارة الأمريكية بسيادته على الصحراء الغربية؟
الأستاذ ياسين سعيدي : للأسف الشديد، هذا التصرف تجاوز التفسير البرغماتي للسلوكات الدولية، فالمغرب اليوم بهذا الموقف الخاضع للمقايضة الانتهازية الأمريكية يريد فرض سياسة الأمر الواقع والالتفاف على الشرعية الدولية، في حين أن ما حدث لا يمكن تصنيفه إجمالا إلا في إطار مقولة إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، على اعتبار أن قضية الصحراء الغربية كقضية فلسطين، هي قضية سيادة وترامب لا يملك سيادة على الإقليم الصحراوي حتى يعطيها لمن شاء، فما يمكن إجماله قولا وموقفا مما حدث أن هذا القرار هو تحيين جديد لإذكاء احتلالين لا غير.
– الموقف الأمريكي من القضية الصحراوية كان دائما مع الحلّ الأممي، لماذا تغيّر الآن، وما الذي ستجنيه واشنطن من اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية؟
إسرائيل تقع في صلب السياسة الخارجية الأمريكية، وما حققته إدارة ترامب لإسرائيل من مكاسب لم يتحقق منذ إعلان قيامها سنة 1948، أقول هذا الكلام كمقدمة للتوضيح وكإجابة على الشطر الأخير من السؤال، فترامب نجح في مساومة العديد من الدول لتحقيق هذه المكاسب، ويكفيه أن يكسر مزيدا من حاجز الاعتراف الدولي باسرائيل حتى يعتبر هذا أكبر انجاز لسياسة أمريكا الخارجية، رغم التزام هذه الأخيرة مع المجموعة الدولية بخصوص قضية الصحراء الغربية على مدار عقود سابقة، هذا ما عبر عنه مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون بقوله: كان من الممكن التوصل إلى اتفاق إسرائيلي مغربي دون التخلي عن التزام الولايات المتحدة الأمريكية بالاستفتاء الصحراوي حول مستقبل الصحراء الغربية، للأسف أمريكا خسرت موقفا دوليا قانونيا، لكنها كسبت موقفا سياسيا واقتصاديا باعتبار أن قرار الاعتراف هذا سيكون متبوعا بفتح قنصلية بمدينة الداخلة المحتلة لرعاية الصفقات الاقتصادية المنتظر تقديمها كقربان جديد لاستمرار الاحتلال ونهب خيرات الشعب الصحراوي.
– ألا يمكن للرئيس الأمريكي المنتخب بايدن مراجعة قرار ترامب؟
بصراحة فإن المنتظر من إدارة الرئيس الجديد جون بايدن هو إصلاح ما أفسدته الكثير من قرارات الرئيس المنتهية ولايته ترامب، وذلك بسياسة أكثر عقلانية ومؤسسية، فأمريكا لم تكن تدفع بشكل سريع في اتجاه حل مشكل الصحراء الغربية، لكنها في ذات الوقت لم تتجرأ بالقفز على جهودها في دعم معلن للقرار الأممي بتقرير المصير، في الحقيقة رغم صعوبة الأمر فإن حرص أمريكا الدائم على التصرف بتوازن في منطقة شمال إفريقيا قد يساهم في إقدام الرئيس بايدن على تدارك الموقف والعودة إلى المعسكر الدولي الداعم للشرعية الأممية.
– الأمم المتحدة أعلنت أنها على موقفها من القضية الصحراوية، فهل يمكنها أن تجهض المؤامرة الترامبية، مع العلم أنها كهيئة أممية لم تحقق شيئا منذ ان تسلّمت ملف القضية قبل 3 عقود ونصف؟
الموقف الأممي اتجاه قضية الصحراء الغربية لازال ثابتا وقد عبر عنه ستيفان دوجاريك الناطق الرسمي للأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر صحفي حول القرار بقوله: «لم يتغير موقف الأمين العام وهو يؤمن أن الحل لهذه القضية يمكن التوصل له عن طريق قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة». في إشارة لعدم تأثير قرار ترامب على المركز القانوني لقضية الصحراء الغربية، وأن الجهود الأممية مستمرة في مزيد من توفير الظروف والالتزام باتجاه إجراء تقرير المصير برعاية أممية ودعم دولي واعتراف إفريقي على اعتبار دولة الصحراء الغربية عضو مؤسس للاتحاد الإفريقي، الأمم المتحدة لم تقدم شيئا للقضية هذا أمر صحيح مقارنة بما كان منتظرا منها منذ ثلاثة عقود، لكنها استمرت لذات المدة في تحصين هذه القضية من الضغط المغربي نحو تغيير طبيعة النزاع وشرعية الكفاح في تأكيد منها على أحقية الشعب الصحراوي في اختيار سيادته.
– كيف تتصوّرون مستقبل القضية الصحراوية على ضوء صفقة ترامب ومحمد السادس؟
هذا الأمر سيدفع لمزيد من التطورات في المنطقة لاسيما بعد إنهاء اتفاق وقف إطلاق النار على خلفية أحداث الكركرات، واستمرار المواجهات بين الجيش الصحراوي والجيش المغربي، لاسيما في ظل فشل تعيين مبعوث أممي جديد منذ استقالة هورست كوهلر قبل سنة، المغرب ينتظر الكثير من أمريكا وإسرئيل ومحورهما في المنطقة العربية لتحقيق المزيد من الحشد الدولي للعودة إلى مقترح 2007 المتعلق بالحكم الذاتي كحل نهائي للقضية على أقصى تقدير، وستعمل على توطين هذا التوجه من خلال مقاربة اقتصادية لتنمية مناطق الصحراء الغربية متناسية بأن القضية تتعلق بمبدأ تاريخي سياسي يقوم على تقرير سيادة وليس تحسين أوضاع، في حين من المنتظر أن تمر هذه القضية بظروف عصيبة في ظل هذا الزخم السياسي والعسكري، لكنها من المؤكد لن تكون على حساب الشعب الصحراوي في تحقيق غاية الاختيار الحر التي ظل ينشد تحقيقها منذ سنة 1966 تاريخ الاعتراف الأممي بحقوق الشعب الصحراوي.
– كلمة أخيرة
للأسف في نهاية الحوار كما بدايته، المغرب يتقن الاستثمار في أزمات المنطقة لتحقيق مكاسب غير واقعية على حساب قضية شرعية، ولازال يراهن على عامل الوقت لفرض واقعية مزيفة، لحسم قضية يحاول محاصرتها خارج الإطار الأممي، عكس الطرف الصحراوي الذي ظل موقفه هادئا وواضحا، بهدف توفير ظروف انقاذ الشرعية الأممية، وما موقف الدولة الصحراوية حول قرار الاعتراف الأمريكي لدليل آخر على رغبة صحراوية في عدم التشويش على الجهود الأممية ومطالب الكثير من الدول الكبرى نحو حل القضية ضمن إطارها القانوني المنصوص عليه في لوائح الأمم المتحدة.