تتسارع تداعيات تطبيع نظام المخزن مع الكيان الصهيوني، باستفزازات يقودها مسؤولون سياسيون، مدعومة بأبواق إعلامية مغربية تحت رعاية أمريكية، هدفها ضرب استقرار الجزائر والفضاء المغاربي، بإثارة تهديدات جديدة بتمكين الصهاينة من التواجد والانتشار بالمنطقة ككل، وهو ما سيعزز بؤر التوتر والأزمات لتمويه خروق تمارسها المغرب ضد الصحراويين مقابل صرف النظر عن المجازر اليومية التي ترتكب في حق الفلسطينيين.
وجاء هذا التصعيد، من دولة تتشارك مع الجزائر نفس الحدود ويفترض أن ملكها رئيس لجنة القدس… هي أوضاع إقليمية مستجدة ناقشتها «الشعب» مع الأستاذ فؤاد عيساني، باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
«الشعب»: ما هي قراءتكم لمستجدات التطبيع الذي اخترق المغرب العربي، هل هو رسم خارطة جديدة للمنطقة بعدما تم تفتيت الشرق الأوسط؟
أ.عيساني فؤاد: تطبيع جيراننا ما هو إلا تجسيد لمخطط معد مسبقا، يهدف لتوريط الأنظمة العربية في تثبيت اليهود على أرض فلسطين المحتلة، تحقيقا لأهداف جماعات ضغط يهودية تمتد أذرعها عبر العالم تملك المال والإعلام والنفوذ في كبريات الدول، لاسيما منها الولايات المتحدة الأمريكية.
هذه الأخيرة التي كان لها الدور الأساس في التطبيع، محاولين بذلك استغلال هشاشة بعض الأنظمة العربية لخلق قرارات داعمة للكيان الصهيوني وإعطائه استقرارا وهميا يعمل على استقطاب عدد أكبر من اليهود عبر العالم، ومحاولة رسم خريطة جديدة للمنطقة العربية، لكن في الحقيقة أن هذه الأنظمة تعيش اغترابا شديدا على شعوبها، مما سيخلق رفضا شعبيا لها.
التطبيع يبقى وصمة عار في جبين المطبِّعين
– هل الجزائر تدفع ثمن مواقفها من قضايا التحرر وسياستها الخارجية؟
أعتقد أنه من الخطإ ربط تطبيع جيراننا مع الكيان الصهيوني بموقف الجزائر الثابت من قضايا التحرر وسياستها الخارجية. فالتطبيع يبقى وصمة عار في جبين المطبعين، لما يحتويه من دلالة تعبر عن خيانة للمنطقة العربية ككل، ولن يكون على الإطلاق ثمنا للموقف الجزائري الثابت والداعم للشعب الفلسطيني والشعب الصحراوي.
فالتطبيع لا يرتقي لأن يكون ردا على موقف مشرف تتخذه الجزائر كعقيدة راسخة في السياسة الخارجية، وكل من طبع مع الكيان الصهيوني فهو ملزم به وحده وفقط.
فرض منطق المغرب سيخلق انتكاسة لأهم المبادئ التي تدعمها الجزائر
ما هي التهديدات المحدقة بالجزائر راهنا وهل تختلف عن سابقاتها، أم بمسمى آخر؟
أرى أن تطبيع جيراننا كان مقابل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة على الأراضي الصحراوية. لذلك هذا الاعتراف أتوقع أن يخلق تحديات جديدة للجزائر بدخول فاعل جديد في معادلة حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، وذلك من خلال استغلال الولايات المتحدة الأمريكية لوزنها كقوة عالمية لفرض منطق جيراننا، في حال أصرت على موقفها، مما سيخلق انتكاسة لأحد أهم المبادئ التي تدعمها الجزائر، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، سيقود هذا الاعتراف المنطقة إلى حالة اللاإستقرار، مما يضاعف من المخاطر المحدقة بالجزائر عبر حدودها الغربية التي ظلت الوحيدة إلى وقت قريب تعرف نوعا من الاستقرار.
– ما هي السيناريوهات المحتملة بالمنطقة؟
على ضوء هذه الحركية، أعتقد أن أول سيناريو محتمل هو أن إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الذي يعطي لجيراننا حق السيادة على الأراضي الصحراوية، لن يكون له أي أثر قانوني دولي، كونه يتعارض مع جميع قرارات هيئة الأمم المتحدة بشأن مسألة الصحراء الغربية. لذلك أتوقع في هذا السيناريو انتفاضة أممية وإفريقية لفرض الانخراط في مسار الحوار بين جيراننا وجبهة البوليساريو بدون شروط تحت رعاية الأمم المتحدة وبدعم من الإتحاد الإفريقي.
أما السيناريو الثاني، هو ضغط الولايات المتحدة الأمريكية، كقوة عالمية، من أجل فرض منطق جيراننا، من خلال إعادة صناعة اتجاه جديد في هيئة الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي يخدم ما أعلنته في العاشر من ديسمبر. إلا أني أستبعد هذا السيناريو، نتيجة أن الوضع الدولي والإقليمي غير مهيأ لتقبل هكذا طرح، لأن المسألة تتعلق بتصفية استعمار ولا يمكن حله إلا بتطبيق القانون الدولي وكذا العقيدة الراسخة لهيئة الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي.
– كيف يمكن للجزائر أن تعزز قوتها ومكانتها إقليميا؟
تقوية الجبهة الداخلية والتحام القوى الحيّة داخل الجزائر، أعتقد أنه عامل مهم لخلق شخصية جزائرية دولية يُحسب لها ألف حساب في المنطقة. لذلك يجب الإسراع في الإصلاحات السياسية المعلن عنها سابقا والتي كانت نتاج الحراك المبارك.
ويعزز هذا الوضع، هوة الاغتراب التي تعيشها بعض الأنظمة العربية، معدومة في الحالة الجزائرية، مما يخلق التحاما بين الشعب والنظام السياسي الجزائري لتشكيل قوة إقليمية لها وزنها قوامها سلطة وشعب وإقليم يحميها الجيش الوطني الشعبي من خلال تعزيز دوره في حماية الحدود.
– كيف تتوقع أن يكون موقف الشركاء الكبار للجزائر، روسيا والصين مما يجري بالمنطقة؟
أعتقد أن الموقفين الروسي والصيني واضحان في قضية الصحراء الغربية وأتوقع أن يتماشيا مع الموقف الجزائري المبني على إعمال القانون الدولي وقرارات هيئة الأمم المتحدة من أجل الوصول لحل سياسي تفاوضي عادل.
– هل تعتقد أن ما يجري بالمنطقة سيؤثر على علاقات الجزائر بالولايات المتحدة الأمريكية؟
ما يجري بالمنطقة اليوم، لا أعتقد أنه سيؤثر على علاقة الجزائر بالولايات المتحدة الأمريكية وذلك لكون الجزائر تعتبر رقما مهما وفاعلا في شمال إفريقيا، لا يمكن تجاوزه ميدانيا.
من جهة أخرى، تعرف المنطقة استقرارا غير مسبوق والجزائر البلد الوحيد الذي يمكنه القيام بدور محوري في استقرار المنطقة ككل.