ما أشبه اليوم بالبارحة في أمور كثيرة، لم تطلها يد التغيير، ولم تؤثّر فيها التداعيات المتدافعة، من تسعينيات القرن الماضي إلى يوم الناس هذا، ومن ذلك ما نراه ونشاهده في الواقع وعلى شاشات التلفزيون..
عانت البلاد في عقدين من الزمن، من أناس نصبوا أنفسهم مفتيي ديار، استوردوا فتاوى جاهزة وقاتلة، ومحفّزة على العنف بكل أشكاله، من الإقصاء إلى جز الرّؤوس. في الثمانينيات سارعت السلطة إلى الاستنجاد بشيوخ معتدلين، فأنشأت جامعات متخصّصة في العلوم الإسلامية على منهج الوسطية في الإسلام، فأحدثت توازنا، وانحصر المد الداعي للعنف بـ «مرجعيات دينية».
وعاود هوّاة العنف الكرّة في تسعينيات القرن الماضي، وحصل ما يعرفه الجزائريّون، ومن كان يشاهد أحداثهم في نشرات عشرية الدم والدموع.
في زمن الأزمات التي لا تنتج في العقول آليات تأقلم وتغيير، تجد الفيروسات البشرية أراضي خصبة لقول أي شيء، ومحاولة البروز، في مجتمعات تفتقد نخبة حقيقة ومتأصّلة، ويكثر المثقّفون والخبراء المزيّفون، ويتقدّم من يعتقد أنّه يملك الحقيقة المشهد، فيقول ما يظهر له أنه كبد الحقيقة، ويتشكّل رأي عام مهلهل، لا ترسو باخرته على برّ ولا على جزيرة، ريثما يأتي من يصحّح البوصلة..
في أيامنا هذه تقدّم الفضائيات والتلفزيونات المتنافسة على البرامج الحوارية والتفاعلية نخباً، لا تعكس الواقع، وتتكلّم بما يشُقُّ على العامّة فهمه أو استيعابه، أو حتى تقبّله مبدئيا. هذا دكتور في الأدب يناقش قضايا إستراتيجية، وذاك بروفيسور حُشر حشرا في برنامج صباحي يتحدّث فيه المدعوون عن الموضة والطبخ، وذلك خبير في الطاقة المتجددة، أو هكذا يقدّم نفسه، يتكلّم عن ما ينبغي فعله لمكافحة كورونا، والفيروسات المستجدّة، بنفس قدرة الإستنساخ الموجودة في لدى من قدّموا ويقدّمون أنفسهم على أنّهم «دعاة» و»علماء دين»، في فضائيات لا يعلموا عنها الناس غير الإسم، ومن حين لآخر يظهر «مفتي» يتقاطر من كلماته التواضع، وفي الواقع يملك قصورا تهدم الصورة التي بناها في التلفزيون، بمجرد سقوطها في مواقع التواصل الاجتماعي، التي تتميز هي الأخرى بتقديم «خبراء، دكاترة ومحلّلين»، أهدافهم تشبه الفتاوى المعلّبة..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.