هل يجب أن نخاف ونتوجس من لقاحات الكوفيد؟
سؤال كثيرا ما أتلقاه سواء من المرضى أومن الأصدقاء أوالأهل وحتى على صفحتي في مواقع التواصل الاجتماعي.
الكثير من المعلومات المغلوطة حتما، لكن الكثير أيضا من التوّجسات المشروعة تماما خاصة فيما يتعلق بأغلى ما يملك الإنسان وهي صحته.
في هذا المقال، أحاول أن أجيب، بطريقة مبسطة بعيدة عن تعقيدات الطب بحكم أن المقال موجه بالدرجة الأولى للمواطن البسيط ولكن أيضا لكل فئات المجتمع، عن كل النواحي المتعلقة باللقاحات الجديدة وبكل أمانة وبكل موضوعية أحاول أن أضيء النقاط المظلمة وأرد على بعض المغالطات.
من أهم الأسئلة التي تصلني هي:
1 -هل تطوير اللّقاح في هاته المدة الزمنية القصيرة ممكن؟
نعم ممكن لأنه في الوضع العادي يتم إجراء مراحل تجارب اللقاح تباعا ولا يتم المرور الى مرحلة دون إتمام المرحلة التي قبلها وهذا يستغرق شهور طويلة جدا، أما في وضع وبائي إستثنائي خطير جدا يهدد حياة الملايين ويهدد بإنهيار الأنظمة الصحية حتى في دول قوية جدا فقد تم إعتماد طريقة جديدة في إجراء مراحل البحوث ثم التجارب بمراحلها المتعددة والدراسات المصاحبة لها تقريبا بصفة متوازية يعني تقريبا في نفس الوقت مع فارق طفيف للتأكد من فعالية كل مرحلة وبالتالي فإن أي مرحلة تبدأ قبل نهاية المرحلة التي تسبقها، وهذا ما سمح بتعجيل مراحل اللقاح دون المساس بمصداقية البحوث، الشيء الثاني هو أن مراحل إعتماد اللقاحات من قبل السلطات الصحية للدول كانت تأخذ وقتا طويلا وهو ماتم تداركه مؤخرا فقد تم إعتماد اللقاح البريطاني خلال عدة أيام فقط بعدما كانت هذه المرحلة لوحدها تستغرق أسابيع وربما شهور.
2- هناك بعض الخبراء من يقول أنه لا يمكن الاعتماد على بيانات صحفية للمخابر دون نشر دراسات علمية؟
نعم سمعت هذا على لسان أحد الخبراء الأوروبيين، لكن ما يجب أن نعلمه أن المخابر كانت طيلة مدة التجارب تقوم بدراسات علمية دقيقة جدا وكانت تزود الهيئات الصحية الحكومية الاوروبية والأمريكية بنتائج دراساتها بصفة دورية وهذه النتائج لم تكن للنشر العام ولم تكن حتى مفتوحة للأطباء، لكن فقط للأطباء والخبراء في هذه الهيئات الحكومية وذلك لأن المخابر كانت في حرب علمية وتكنولوجية شرسة فيما بينها وفي سباق ضد الزمن من أجل انتاج لقاح فعال وغير ضار للصحة وكانت من أولوياتها ان يتم نشر دراساتها الخاصة النهائية فقط عندما يتم الإنتهاء من كل مراحل الدراسات، وهذا أمر طبيعي جدا، وللمعلومة فإن نشر نتائج الدراسات يخضع لبروتوكول دقيق جدا فمثلا الدراسة لابد أن تنشر في مجلة صحية عالمية مثل مجلة THE LANCET ومثل هذه المجلات لديها لجنة علمية مكونة من خبراء عالميين مستقلين يعني لا يتبعون أي مخبر أوهيئة يقومون بالتحقيق والتدقيق في كل حرف وفي كل رقم في الدراسة حتى أنهم يطلبون ان تكون المعلومات متاحة للجنة وقابلة للتحقيق وليست مجرد أرقام وقد تم يوم الثامن من ديسمبر إعتماد أول دراسة دقيقة حول اللقاح البريطاني وخلصت اللجنة الى مصداقية الدراسة وان اللقاح فعال بنسبة عامة تصل الى 70% وهي نسبة جد معتبرة وسأتكلم عن هذا اللقاح بالتدقيق لاحقا .. نفس المجلة كانت قد نشرت نتائج دراسة حول اللقاح الروسي ولكن كانت دراسة صغيرة من حيث عدد المتطوعين وكانت دراسة ابتدائية ولكن أتوقع ان يكون هناك دراسة أخرى حول هذا اللقاح وغيره أيضا.
3- سؤال آخر: هل تخوف المواطنين مشروع؟
نعم الانسان دوما يتخوف من كل ما هو مجهول وغير معروف وجديد بالإضافة إلى الكم الهائل من المعلومات المغلوطة التي تنتشر على الانترنت وبعضها مضحك في الحقيقة كقصة الشريحة التي يزعم بيل غيتس زرعها في أجسامنا من أجل التحكم في عقولنا وهذه الافكار هي في الحقيقة من نتائج الابتعاد عن المسار العلمي، وهي أقرب الى أفلام هوليوود منه الى الحقيقة، ولكني أقول إني أتفهم تماما المخاوف المشروعة ودوري كطبيب هو الاجابة عن هذه التساؤلات وفك مجموعة الألغاز التي تحوم في عقول المواطنين سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو صفحات الجرائد ذات المصداقية كجريدتكم التي فتحت لي المجال للمساهمة في تنوير الرأي العام.
4- هل للتلقيح مخاطر على الصحة؟
أي دواء أو لقاح لابد وان يكون له أعراض جانبية ولو بسيطة جدا وهو التعريف العلمي لكلمة دواء يعني كل الادوية قد تكون مضرة للصحة إذا تم استعمالها بطريقة خاطئة أما إذا استعملت بطريقة صحيحة فهدف كل هذه الدراسات العلمية هو التقليل التام من كل الأخطار وتفاديها ومحاولة توقع ظهورها عند أشخاص معينين بحسب العمر والأمراض المزمنة وغيرها من العوامل.
إذا عدنا للقاح فلابد أن نعرف أن أي دواء جديد أو لقاح لديه مجموعة من الأعراض الجانبية والمخاطر مقسمة بحسب ظهورها زمنيا قصيرة المدى، متوسطة المدى وبعيدة المدى، اللقاحات الحالية المنتجة حديثا لم يكن لها تأثيرات جانبية خطيرة أو قاتلة على الأقل على المدى القصير والمتوسط وهذا ما أثبتته مثلا آخر دراسة حول اللقاح البريطاني حيث أنه من بين 11000 متطوع كان هناك فقط ثلاث حالات لمضاعفات معتبرة وقد شفيت الحالات الثلاث ولقد تم توقيف التجارب حينها مؤقتا حتى يتم التأكد من سلامة اللقاح وبعد أن تم مراجعة الحالات الثلاث وتماثلها للشفاء تم إستكمال التجارب مرة أخرى ..
هذا فقط حتى يعلم المواطن الجزائري أن الأمور كانت تخضع لبروتوكول صارم تماما، أما فيما يخص المدى البعيد فلا أحد يمكنه التنبؤ بما سيحدث ولا يوجد أي مؤشر يدل على أن هذا اللقاح قد يعطي نتائج سلبية بعد عشرة أو عشرين سنة وتبقى فقط مجرد تكهنات وفرضيات لا تمت للعلم بأي صلة، فالوضع الصحي الحالي الصعب يحتم علينا المسارعة في ايجاد حلول ولا يمكن إنتظار فرضيات لعشرات السنين فيما يهدد الفيروس حياة البشر ومعيشتهم بصفة مباشرة.