ستبقى بريطانيا طيلة سنوات تعاني من الهزات الارتدادية للانفصال التاريخي عن منطقة الأورو، رغم قوتها الاقتصادية والمزايا التي تنفرد بها عن باقي دول القارة العجوز، بما فيها مياه بحرية غنية بالثروة السمكية التي تسيل اللعاب، وعلى المدى المتوسط ستضع يدها وحدها على كل الموارد الصيدية لكن لن تلغي ذلك قبل عام 2026، في وقت توجه فيه انتقادات تقارب حد التنديد إلى رئيس الوزراء بوريس جونسون على أكثر من صعيد، وسط موجة عالية من الاستياء والتشاؤم تصاعدت وسط التجار والصيادين والأطباء والمهندسين الذين لم يعد بمقدورهم العمل في دول الجوار من دون مطابقة شهاداتهم للمعايير التي يضعها الاتحاد، ونفس التذمر يسود وسط بعض المسؤولين الذين يعتقدون أن جونسون فرط في الثروة السمكية، وتساهل كثيرا مع الشركاء التقليديين، رغم أنه نجح في إنهاء الشراكة باتفاق أذاب النقاط الساخنة التي أشعلت الخلافات طيلة أشهر كاملة.
يبدو أن الانفصال النهائي بمعناه الحقيقي تنفيذه شائك وصعب وطويل، لأن بريطانيا التي ستنسحب من السياسة المشتركة لمصايد الأسماك في الاتحاد الأوروبي في نهاية شهر جانفي الداخل لن يتم عبر جسورها طي الملف، لأن الاتفاق التجاري، الذي توجت به مفاوضات لندن وبروكسل في اللحظات الاخيرة، سيترك القواعد الحالية سارية إلى حد بعيد، أي خلال فترة انتقالية مدتها لا تقل عن خمسة سنوات ونصف، لهذا لم يقتنع الكثير من البريطانيين الرافضين لهذا الطلاق عن التكتل بكل ما حدث وما بذل من جهود وجولات شاقة، رغم طمأنة بلادهم بالمزايا المحققة وكون الاتفاق يسمح بالاعتراف ببرامج «التجارة الموثوقة» أي المنتجين في بريطانيا يمتثلون لمعايير بلادهم والاتحاد الأوروبي بكل ما تعلق بمعايير الصحة والسلامة.
من المؤسسات التي ستنال حظها من الارتباك، يجري الحديث عن المؤسسات المالية ورؤوس الاموال التي يرتقب أن تنتقل إلى ألمانيا التي ستحل محل المملكة المتحدة في كل ما تعلق بالمنظومة المالية والمصرفية، لكن اللافت أن لندن تستمر في التواجد ضمن برنامج الاتحاد الاوروبي الرائد «هورايزن أوروبا»، والمتمثل في مبادرة لتمويل البحث العلمي حيث تصل ميزانيتها إلى 97 مليار دولار، لأنها عضو مشارك بالتمويل لمدة سبع سنوات، كما أنها ستواصل شراكتها وتواجدها في برنامج كوبرنيكوس المتضمن للنظام الاوروبي لبيانات رصد الأرض والجماعات الأوروبية للطاقة الذرية، فلن يحدث الانفصال العلمي بين الطرفين لكن عام 2021 لن يكون سهلا على عاصمة الضباب التي ستنتقل إلى سنة جديدة مكبلة بقيود السلالة الجديدة من فيروس كورونا الذي أنهك اقتصادها ومنظومتها الصحية.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.