يوجد الاقتصاد العالمي في منعطف حرج والنمو في مستويات هشّة، وسط توّقعات منباينة تحمل التفاؤل أكثر من التشاؤم بعد أن رأى اللقاح النور، ولم تعد الجائحة تضغط بنفس القوة التي تفشت بها خلال السنة الماضية حيث تركت أثرا على جميع المستويات وخسائر لا يمكن نسيانها أو محوها بسهولة، بسبب تضرر الاقتصاديات والمنظومات الصحية وتصاعد وتيرة مظاهر العجز التي أصابت معظم ميزانيات الدول وجعلت الفقيرة منها في مأزق.
الصين استرجعت أنفاسها مبكرا وحاصرت الجائحة قبل الجميع، لأن قيود الغلق استغرقت مدة أقصر مقارنة بنظيرتها الأوروبية أو صاحبة أكبر اقتصاد عالمي، ويتعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية، هذا ما يرجّح أن خسارتها جاءت أقل واستعدادها لما بعد الجائحة سبق الجميع، وهذا ما يفترض أن يكون مؤشرا ساطعا على انطلاق عودتها بنفس القوة التي انتصرت بها على الفيروس الذي خرج من أسوار مخابرها إلى العالم، ومن ثم السيطرة على الأسواق الخارجية قبل الجميع، في وقت جميع المؤشرات تؤكد أن هذه الدولة الأسياوية الكبيرة من حيث عدد السكان والمساحة والتفوق التكنولوجي والاقتصادي، ستتغلب على منافستها الأولى، وتخطف منها ريادتها العالمية في مدة زمنية تقل عن العقد، في ظل وجود قراءات استشرافية تضع الصين في المرتبة الأولى عالميا بدل بلد العم سام.. فهل سيكون الفيروس الذي بطش بالبشر، الجسر الذي سيرفع مكانة الصين إلى علو كاسح؟
كل شيء يوحي بأن الاقتصاد العالمي يحتاج إلى سنوات ليبلغ مرحلة التعافي، في ظل استمرار كوارث الشلل التي لن تستفيق من آثارها الدول الفقيرة قبل عشرة سنوات بحسب تقديرات أوّلية، بل يتوقع أن يسفر فيروس كوفيد 19 عن جيل جديد من الفقراء يزيد من معاناة الإنسان فوق الكرة الأرضية، ويجري الحديث أن أزمة البطالة لن تمس الدول الضعيفة وحدها بل حتى المتطوّرة أمام التطور التكنولوجي المذهل وبروز ظاهرة أداء العمل الإداري من المنازل واستخلاف الروبوتات للإنسان في العديد من المهن.
الاقتصاد لن يتعافى غدا، وقبل أن تنقشع غيوم كورونا ستبقى الدول النامية تتخبط في دائرة العجز والديون التي تحدّ من سرعة استعادتها للموارد المالية التي تحتاجها لبناء نهضة جديدة.. والحل الوحيد إعادة الاعتبار لمعايير العمل والأداء الشفاف واعتماد معايير عالمية في التسيير والتوظيف والإنتاج.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.