يرى المبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي، عبد الرحمان بن خالفة، أن دخول منطقة التبادل التجاري الحر في أفريقيا حيز التنفيذ منذ الفاتح من جانفي 2021، خيار استراتيجي للجزائر بالنظر الى وزنها في المنطقة، مشيرا إلى أن إنشاء منطقة التبادل الحر في أفريقيا فرصة هامة لتطوير التجارة البينية، وأن الآليات العملية من ناحية التفاوض وقواعد المنشأ والحقوق الجمركية والتكافؤ في عملية «البزنس» تستوجب هندسة ويقظة وقوة تفاوض كبيرة.
– يعد إنشاء منطقة التبادل التجاري الحر في أفريقيا فرصة لتطوير التجارة البينية، هل من تفسير؟
المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي، عبد الرحمان بن خالفة: إنشاء منطقة التبادل الحر في المناطق والتجمعات والاتحادات الكبيرة يعتبر لبنة اقتصادية مهمة تشرع في بناء فضاء اقتصادي أفريقي متكامل، لكنه في نفس الوقت صعب المنال، أهمية التبادل الحر تكمن في أول وهلة في تشجيع التجارة البينية التي تؤدي بدورها إلى التكامل الاقتصادي البيـّن، الذي يقودنا إلى تحقيق الاندماج الاقتصادي..ما يعطي قوة قارية اقتصادية لمجموعة تعمل بالتنسيق في المجال السياسي والإستراتيجي، فهي لبنة مكملة للعمل الكبير الذي قام به الاتحاد الإفريقي في عدة مجالات، لاسيما الأمنية منها بدليل الإستراتيجية المنتهجة لمحاربة وباء كورونا طيلة تسعة أشهر، والآن نحن في جبهة ثانية التي تشمل إعادة جدولة الديون الإفريقي، والتحضير في نفس الوقت للإقلاع الإفريقي إن صح التعبير، وهو ما يتطلّب آليات سيكون من الصعب تطبيقها في البداية.
– الانضمام إلى منطقة التبادل التجاري الحر في أفريقيا خيار استراتيجي..لكنه يتطلّب آليات قويّة لتجسيده؟
الآليات التي تعمل على أساسها منطقة تبادل الحر ولنا في الجزائر تجربتين كبيرتين الأولى مع أوروبا والثانية مع البلدان العربية، وفيه طلبات كثيرة لمناطق ثنائية إن صح القول، بالنظر لسعة وعمق السوق الجزائرية، فضلا على قوة القدرة الشرائية الموجودة فيها، تجعل العديد من البلدان تريد أن تسهل بطرق استثنائية كون آليات مناطق التجارة الحرة تخرج عن القواعد العامة للتجارة.
وبالتالي، هذه الآليات من ناحية القواعد الجمركة والمنشأ، وهي قاعدة أساسية من ناحية قوة التفاوض ونفوذ للبلدان المختلفة، ومن جانب القيمة المضافة التي يمكن أن تكون أساسية للتبادل، لان السلع التي تأتي من هذه المناطق يجب أن تكون قيمتها المضافة في إفريقيا معتبرة، ولا يمكن أن تبقى فقط فضاء تجاريا تدخل من خلاله السلع بصفة ظاهرة أو سرية، لدى فإن الآليات التي يتم على أساسها التعامل بها بين البلدان الإفريقية الـ 34 الموقّعة حتى الآن على الاتفاق من بينها الجزائر يجب التمسك بها كثيرا، وتستوجب اليقظة في إتمامها وفي تطبيقها لابد من مراقبة صارمة ليس إدارية فحسب بل ذكية إن صح التعبير، لأنه لا يمكن لبلد مثل الجزائر أن يدخل في المنطقة الإفريقية وينتج عنها وإرادات أكثر من الواردات التي نعيشها مع بلدان أخرى، بل لابد على الجزائر أن تكون رافضا مهما واعدا ومربحا للاقتصاد الوطني.
– الانضمام لمنطقة التبادل الحر يتطلّب تحضيرا جيدا لما قبل هذه المرحلة..هل الجزائر جاهزة فعلا؟
الجزائر لها وزنها في أفريقيا من الناحية السياسية والأمنية والإستراتيجية. كل هذه المعطيات يجب أن تكون بمثابة «الخميرة» لانطلاقة اقتصادية كبيرة لبلد بحجم الجزائر، التي لها وزن اقتصادي ومالي للأسف ليس في المستوى في إفريقيا مقارنة بوزنها الاستراتيجي والتاريخي في نفس الوقت.
لكن هذا النفوذ الاقتصادي الجديد يتطلّب هندسة وسلوكات متطورة من الإدارة الاقتصادية الجزائرية، فضلا على تطوير العلاقات الخارجية بالنظر للأسواق الداخلية التي أصبحت غير مضبوطة، إلى جانب خلق تحالفات بين إدارة الجمارك والبنوك والمصدرين من أجل تحقيق أو إيجاد أنماط جديدة للتعامل مع الأجانب والمنطق الذي يحكم الأسواق من خلال الترويج لصورة الجزائر، وكذلك ضرورة التحكم في الوقت لان في الاقتصاد والعلاقات الدولية الوقت له وزن كبير..فلابد أن لا تطول العقود وتطبيقها بيننا وبين البلدان الأخرى لأنّه كلما طال ذلك كان في غير صالحنا، انفتاح الجزائر حاليا أمام أسواق أخرى على غرار منطقة التبادل الحر الأفريقية يتطلّب نمطا جديدا لإدارة اقتصادنا وعلاقاتنا مع الأجانب، وكذلك قوّتنا التسويقية والاقتصادية والمالية، ولنا في الجزائر نُخب يمكن أن تجسد ذلك.
– تفعيل منطقة التبادل الحر بشكل جيد يتطلّب المزيد من الجهود لتذليل الصعوبات وإنجاح هذا الاتفاق؟
من بين الملفات التي لازالت عالقة لحد الآن بعد الاستقرار المؤسساتي، والمرور إلى الدستور الجديد والشروع في مخطط الإنعاش الاقتصادي، هو ملف كفاءتنا للتصدير، حتى اليوم كفاءتنا سواء التي تأتي من الإدارة الاقتصادية أو التي تأتي من البنوك وحتى من الشركات ذاتها مازالت قليلة ومازالت فيها إجراءات.
لا نقول بيروقراطية ولكنها ورقية ثقيلة حتى من ناحية البنك المركزي، لابد أن يلين في طرق تعامل الجزائريين في التصدير، وبالتالي فإن انفتاح الاقتصاد الجزائري وإصلاحه يمر عبر مقتضيات متعددة منها كيفية التعامل مع الأسواق الخارجية، أضف إلى ذلك وجودنا ونفوذنا في هذه البلدان بتحالف كبير بين الدبلوماسية والإدارات الاقتصادية، وهو ما يشكل لوبيات اقتصادية قوية تجعلنا نتعامل مع الخارج بسرعة كبيرة، وطرق أكثر ليونة وشفافية بالنسبة للمتعاملين الاقتصاديين، وأقول مرة أخرى أنه مادام الدينار قوته لم تظهر مقارنة بالعملات الأخرى، فإن القاعدة التي نعرفها هو أن كل كانت العملة ضعيفة نوعا ما كلّما كان ذلك حافزا للتصدير لأنها تعطي تنافسية كبيرة في الأسواق الخارجية.
– الوزير الأول صرّح أنّ منطقة التبادل الحر ستكون من بين أهداف التنمية وإحلال السّلم والأمن؟
الاختيار الأفريقي الجزائري هو مكمّل للإشعاع الاستراتيجي التاريخي في البلدان الأفريقية في الجانب الاقتصادي، فالجزائر كونها بلدا محوريا في إفريقيا لابد من التوجه الثاني نحو الاستثمار في وجودنا الاقتصادي ليس فقط من حيث المبادئ أو الإرادة السياسية، بل يجب أن تكون آلياتنا ووجودنا تنافس قوة تنافسية كبيرة في هذه المنطقة التي تعرف بلدان تموقعوا منذ مدة طويلة في أفريقيا في صورة شركات متعددة الجنسيات ومختلطة، والآن مصالحها مهدّدة..
وبالتالي ستقف مضادة لهذا الاتجاه الأفريقي الداخلي، ونحن في نفس الوقت لابد من أنّنا نروّج لسلعنا ولخدماتنا وقوتنا الاقتصادية بالنسبة للجزائر من خلال التحالف مع الشركاء، الذين عملنا معهم في الجزائر وإنشاء شركات مختلطة ونمشي لأفريقيا كشركاء..وبالتالي فإن هذه الآلية من ناحية السوق مبدئيا هي لبنة جيدة في إكمال البناء الإفريقي الاقتصادي المتكامل..ولكن لابد لها من عام على الأقل حتى يتعوّد النشطاء في السوق الإفريقية التعامل مع بعضهم، وخلال هذا العام ستبرز بلدان قوية داخل هذه المنطقة، وعلينا أن نكون من ضمنها.