لم يخسر ترامب بغروره وتهوّره وحده، بعد أن الديمقراطية الأمريكية تلقت صفعة قوية واهتزت صورتها في العالم، إثر أعمال عنف وتخريب غير مسبوقة تاريخيا، وضعت المؤسسات الأمريكية في حرج وتخوّف من تسجيل المزيد من التطورات السلبية في مسار انتقال السلطة بشكل منتظم وهادئ، وفي ظلّ وضع هشّ قبل عشرة أيام من رحيل الرئيس المنتهية عهدته، بات الظرف يتطلّب من جميع المسؤولين خاصة على مستوى الكونغرس الابتعاد عن تأجيج الوضع، لأن المتطرفين المواليين لترامب قادرين على التسبب في المزيد من الفوضى والمتاعب، والعلاج يكمن في التروي والحكمة في تسيير هذه المرحلة الصعبة في عمر الولايات المتحدة الأمريكية من طرف الجميع.
لم يتقبّل ترامب الخسارة ولم يتقبل أن يفوز عليه بايدن، وبتعنته أكد مرة أخرى بأنه لا يؤمن باللعبة السياسية ولا بالمبادئ الديمقراطية ولا يتمتّع بالروح الرياضية، بل هناك من يعتقد أنه وصل صدفة إلى الحكم لأنه لم يمتهن يوما السياسة ولم يتقلد أي منصب سياسي من قبل، ومجيئه كان من دون خلفية عن كواليس الحكم، مما أفضى إلى أحداث لم تعشها أمريكا أو الدول الغربية المتقدمة من قبل، فأساءت كثيرا لسمعته السياسية، رغم أنه كان يعي جيدا أن بايدن الرئيس الشرعي وقد انتصر عليه بأصوات وخيار الأمريكيين.
دون شكّ الحالة الأمريكية التي صنعها الرئيس المنتهية عهدته والموالين له من المتطرفين، لم تكن حضارية ولم تختلف عما حدث في السابق في بعض دول العالم الثالث، مع عامل جوهري أحدث الفارق والمتمثل في امتلاك أمريكا للمؤسسات التي لديها القدرة على تأمين الحياة السياسية وحماية المسار الديمقراطي من الانحراف نحو الهاوية، ويضاف إلى كل ذلك أن أمريكا تملك الترسانة التشريعية والتنظيمية التي تعدّ أساس متين يرتكز عليه في بناء دولة الحق والقانون.
لن يتنفّس الأمريكيون الصعداء إلا يوم 20 جانفي الجاري بعد أن يتربّع بايدن على كرسي الحكم ويغادر ترامب الرافض لاستقبال بايدن في حفل التنصيب، رحيل ينهي حظر التجوّل المفروض على العاصمة واشنطن، وقبل ذلك، كل شيء ممكن في ظلّ استمرار الخطر، لأن المتطرفين لا يتقنون سوى لغة التصعيد نحو الأسوأ، وما على ترامب الذي خسر أمام كورونا وبايدن سوى الرحيل في صمت لأن ولايته انتهت والادعاء بأن الانتخابات سرقت منه لم تعد تنفع بل تضرّ كثيرا باستقرار وتماسك بلده.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.