عندما أقدمت شركة «تويتر» على غلق حساب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بسبب «تحريضه على العنف»، علّق البعض ساخرا، بإمكانه إنشاء حساب باسم مستعار يواصل من خلاله «المعركة التي بدأها إلى النهاية».
ولم يكن رقم 45 في قائمة الرؤساء الأمريكيين مجرّد رقم، وهو الذي تحوّل من تاجر يعشق تلفزيون الواقع ويحب الأضواء حتى ولو ظهر بثوان معدودات في فيلم سينمائي، إلى منافس لأكبر الشخصيات جدلا في التاريخ، على غرار كاليغولا الذي نصّب نفسه «إلها» وعيّن حصانه نائبا في البرلمان ونيرون الذي أحرق مدينة روما رغبة منه في تدميرها وإعادة تأسيسها من جديد.
يقال إن جنون ترامب فاق جنون الطغاة الذين سبقوه، لكن أنصاره الذين لا ينكرون محدودية ثقافته، يقولون إنه «أنجز» ما لم ينجزه أسلافه مجتمعين، وهو الذي «تجرأ» على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، منفذا قرارا بقي موقّعا وغير منفّذ منذ بداية عهد «الديمقراطي» بيل كلينتون.
وبدا جنون ترامب «عاقلا» كلما تعلّق الأمر بمنطقة الشرق الأوسط، فكل ما نشره من تغريدات في هذا الشأن، صدّقها الواقع وسارع السياسيون العرب إلى تأكيدها، رغم الفجاجة التي يعاملهم بها. ويبدو أنه الأقدر على فهمهم وفهم منطقهم، باستعمال التفاوض المادي بطرح شيء مقابل آخر، مثلما يفعل أي تاجر خردة في أية بقعة من العالم.
وبدا أن «الترامبية» تتمدّد بعد هزيمة زعيمها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مع الاستثمار في أخطاء خصومه الديمقراطيين وانتظارهم في «فيراج» الاستحقاقات القادمة، بعد أربع سنوات من الآن.
لكن يبدو أن حالة هوَس غير عادية ستدمّر كل ما بناه، عندما أقدم على عمل يشبه ما قام به نيرون قبل قرون.
ولأن الديمقراطية هي أقل الأنظمة سوءاً في العالم، فحتى ولو دفعت «مجنونا» إلى الحكم، فهي قادرة على إصلاح نفسها بنفسها، فإذا استمرت روما «زاهرة» بعد نيرون، فيبدو أن ترامب مجرد فصل طريف في تاريخ طويل، لكنه فصل غير قابل للاستمرار، لأنه يحمل بذور فنائه في داخله.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.