لم يسبق لأمريكا أن عرفت انقساما بين مواطنيها بشكل أكدته قيادات في بلد العم سام نفسها، مثل ما حصل في نهاية حكم ترامب، الذي غادر البيت الأبيض ولم يتجرع مرارة هزيمته أمام منافسه بايدن، الذي يحمل عبء خطايا الرئيس رجل الأعمال، منها تلطيخ سمعة أكبر وأقوى بلد في العالم بمنحه اعترافا مشبوها بسيادة مزعومة للمغرب على الصحراء الغربية المحتلة، في صفقة مفضوحة أسقطت صاحبها برجه العاجي في نظر العالم الحرّ القائم على حقوق الشعوب وسموّ شرعية القانون الدولي.
ما يواجهه بايدن، إلى جانب معضلة كورونا، إعادة ترتيب دور بلاده في العلاقات الدولية، زمن عولمة المصالح والأنانية لتستعيد بريقها المفقود في العشريات الماضية، لطغيان اعتبارات وضعها صانعو القرار في مقدمة دبلوماسية الفوضى والمصالح، بما في ذلك الابتزاز والمساومة والصفقات تحت الطاولة، كما قام به ترامب بشأن قضية الصحراء الغربية، مساندا الاحتلال وتجاهل التزامات بلاده وقرارات أممية صريحة.
هل يمكن للوافد الجديد إلى البيت الأبيض أن يعيد صياغة موقف أكثر مسؤولية واتزانا تجاه قضية شعب مستضعف يعاني من احتلال همجي والعودة إلى أداء دور حيادي في هذه المسألة، التي يبقى حلها الصحيح ضمن قواعد الشرعية الدولية، بإشراف منظمة الأمم المتحدة، بأخذ المبادرة مجددا والعودة إلى مسار المفاوضات بين دولة الاحتلال المغرب وجبهة البوليساريو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، الذي يرفض الأمر الواقع.
ملاحظون أمريكيون عديدون أكدوا أن تصرف ترامب خاطئ ومشبوه، بل اعتبره البعض تركة مسمومة لخلفه الذي جعل من حقوق الإنسان ونبذ العنصرية وخدمة الإنسان ضمن ورقة الطريق الانتخابية التي قادته إلى البيت الأبيض، ومنه يراقب العالم مدى التزامه بإبطال كل ما ورثه من قرارات عزلت بلاده، كما التزم في حملته الانتخابية بالعودة إلى الاتفاقية الدولية للمناخ وإلى منظمة الصحة العالمية، فهل يصحّح خطيئة تأييد الاحتلال؟.
غير أن الأمل يبقى في القارة السمراء للتخلص من آخر حالة استعمار، خاصة على مستوى مجلس الأمن الإفريقي، المرتقب الشهر القادم بأديس أبابا (اثيوبيا)، لتكريس مرة أخرى قناعة راسخة برفض مناورات دولة الاحتلال وضرورة انصياعها إلى مبادئ وقرارات الاتحاد الإفريقي ومنه تكون الرسالة واضحة لقادة الأبيض، فهل يستعيد بياضه مجددا؟.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.