يثبت اللّيبيون مرّة أخرى نواياهم الحسنة في إنهاء الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد، منذ بداية شرارة «الربيع العربي»، ويؤكدون يوما بعد آخر تمسكهم الشديد بكل مخرجات الحوار السياسي من جنيف إلى تونس وغيرها من المحطات التي احتضنت الفرقاء لرأب الصدع،منذ بداية الأزمة، رغم تحدّيات المباحثات، ودسائس دعاة التفرقة للحيلولة دون تحقيق مصالحة شاملة.
إلا أن ارادة دعاة الصلح لا مكان فيها لصوت البنادق، الذي أسكته الاتفاق التاريخي لوقف إطلاق النار، في 23 أكتوبر الماضي، في خطوة كانت امتحانا لطرفي النزاع في مشوار إنهاء الحرب.
نجح الفرقاء في وضع القطار على السكة الصحيحة، منذ تفاهمات حوار تونس، وتشكلت قناعة راسخة لدى كل المعنيين بالحوار وممثلي الشعب اللّيبي أنه لا مفرّ من وضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وهو ما بدأت معالمه تتجسد، مع وضع آليات اختيار سلطة تنفيذية جديدة ينبثق عنها مجلس رئاسي وحكومة وحدة وطنية، تقود المرحلة الانتقالية الحالية، يتم خلالها تعديل الدستور وفق رؤية الشعب اللّيبي وتطلعاته الكبيرة لتحقيق حلم الدولة الليبية الموحدة، ثم التوجه لتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، شهر ديسمبر القادم، لتكون محطة أخيرة لوأد الخلافات.
لكن مع انتهاء المهلة المحددة لخروج المرتزقة والقوّات الأجنبية من ليبيا في 23 جانفي الجاري، يبقى اتفاق وقف إطلاق النار الدائم في البلاد مهدداً، وبدأ أعداء السلام يروّجون لعودة الحرب. لكن هذا السيناريو بات مستبعدا في الوقت الراهن مع الإرادة الحقيقية للجنة العسكرية المشتركة 5+5، وهي التي وضعت
شروط نجاح اتفاق وقف إطلاق النار لتعبيد الطريق وإنجاح الحوار السياسي.
كان واضحا منذ اتفاق جنيف أن مهلة خروج القوّات الأجنبية والمرتزقة كانت قصيرة، ولعلّ طرفا دوليا أراد توريط الأطراف المتحاورة في هذا الفخ لإطالة عمر الأزمة، إلا أن تأكيد تمسك اللّجنة العسكرية بالهدنة هو صمّام نجاح الحوار، لأنها على دراية تامة بأن الشعب اللّيبي أمام فرصة ثمينة وأخيرة لتحقيق السلام والمصالحة لا ينبغي تضييعها، كما أنها تتطلب من أصدقاء ليبيا الدوليين لاسيما داعمي مؤتمر برلين لدعم هذه الفرصة الأخيرة.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.