عاد ملف استيراد السيارات إلى واجهة الأحداث، منذ توقيع وزارة الصناعة لتراخيص مؤقتة لبعض الوكلاء وأخذ أبعادا تجاوزت الجوانب التقنية والقانونية للعملية، خاصة بعد حديث الوزير آيت علي عن لوبيات أجنبية ضاغطة تعمل لصالح جهات مشبوهة، في وقت يدعو فيه خبراء إلى تبني استراتيجية تصنيعية واضحة المعالم وتجاوز المنطق الريعي.
فجر شروع وزارة الصناعة في الرد على ملفات وكلاء استيراد السيارات وفق دفتر الشروط الصادر في الجريدة الرسمية رقم 49 في أوت الماضي، صراعا شرسا تحولت مواقع التواصل الاجتماعي الى ميدان له، أطرافه لوبيات وجماعات ضغط تبحث عن حصتها في السوق.
وبعد سنة كاملة من الترقب عما سيتمخض عن التصور الجديد لوزارة الصناعة بقيادة الوزير فرحات آيت علي، يبدو أن الملف أخذ مصيرا شبيها بما حدث في 2015، حين اندلعت حرب المصالح والحصص في هذا السوق الذي يحظى بأهمية خاصة لدى الجزائريين.
وفي 18 جانفي الجاري، أعلنت وزارة الصناعة، عن توقيع الرخص المؤقتة الخاصة باستيراد المركبات الجديدة لأربعة وكلاء قاموا بإيداع طلباتهم، بناء على رأي اللجنة التقنية المكلفة بمتابعة ودراسة الملفات المتعلقة بنشاط وكلاء المركبات.
وفي خطوة أثارت نقاشا واسعا بين المتابعين، رفضت الوزارة الوصية إبلاغ الرأي العام بهوية الوكلاء الأربعة الذين حازوا الرخصة المؤقتة، بحجة أن «القانون يمنع نشر معلومات ذات طابع مهني يتعلق بالخواص لأي طرف عدا المعني بالأمر».
تصريحات صادمة
وبين تعليمات الوزير الأول عبد العزيز جراد، بمواصلة دراسة طلبات وكلاء السيارات بكل «شفافية»، وبين اتهامات بعض أعضاء مجلس الأمة لوزارة الصناعة بـ «التعامل الغامض» مع الملف، ذهب آيت علي الى أبعد من ذلك عندما تحدث عن ضغوطات أجنبية معادية للمصالح الوطنية.
وردا على سؤال شفوي بمجلس الأمة، قال آيت علي، الخميس: «الواقفون وراء الحملة الشعواء هي الجماعات المشبوهة، تنطلق من مرسيليا وتأتي إلى الجزائر تحت غطاء الوطنية الزائفة». ولم يوضح لماذا مرسيليا (جنوب فرنسا) تحديدا؟ ومعروف أن أغلب واردات السيارات من العلامات الفرنسية والأوروبية تنطلق من ميناء مرسيليا باتجاه الجزائر.
وأضاف: «جاءني أجانب، يحاولون فرض الضغط من أجل تمرير هذه المصالح المشبوهة، ولما يفشلون عندي ويغادرون مقر الوزارة، أجد مساء حملة في كل وسائل الإعلام». ويفهم من كلام الوزير، أن لهؤلاء الأجانب خلايا إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر يحركونها للإساءة إلى وزير في الحكومة الجزائرية، لأنه لم يساير مصالحهم أو مصالح جماعات الضغط واللوبيات.
وتعرض الوزير فرحات آيت علي ابراهم، إلى انتقادات حادة على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ إعلانه تجميد العمل بالمادة القانونية الواردة في قانون المالية 2020 والمتعلقة بالسماح باستيراد السيارات أقل من 3 سنوات.
وكان قد كشف في منتدى «الشعب»، قبل أسبوعين، أن سفراء وأجانب، طالبوه بالتراجع عن كثير من البنود الوارد في دفتر الشروط المتعلق باستيراد السيارات أو ذاك الخاص بالتصنيع.
وقال، إن كثيرا من الأجانب تتعدى رؤيتهم للجزائر كمجرد سوق لمنتجاتهم، ويستهدفون آخر دولار نملكه في احتياطي الصرف، مشددا على أنه لن يتراجع أبدا عن البنود الواردة في دفاتر الشروط التي تحصر مجال الاستيراد على الجزائريين فقط، وتحدد مجال الشراكة مع الأجانب في التصنيع بمساهمة أولية في رأسمال المنشأة قدرها 30٪.
الخبير فريد بن يحيى: أطراف تتصارع حول حصص الريع
بالنسبة للخبير الاقتصادي فريد بن يحيى، فإن الحرب الإعلامية والإلكترونية التي أعقبت الإفراج عن الدفعة الأولى لرخص استيراد المركبات الجديدة، سببها «غياب استراتيجية واضحة المعالم لصناعة السيارات في الجزائر».
وقال بن يحيى لـ «الشعب»، إن «ما يحصل يعيدنا إلى المربع الأول، بحيث أن مجموعات ضغط ولوبيات في الداخل والخارج تتصارع على الظفر بحصة من الريع لا أكثر ولا أقل».
وأوضح، أن الحكومات السابقة (في 2015)، حطمت الشركات الوطنية وأرباب العمل القادرين على إطلاق صناعية حقيقية للسيارات، ودعمت محولي الأموال إلى الخارج تحت غطاء تركيب السيارات.
غياب استراتيجية
وأضاف، أن الحكومة الحالية لا تبدو قد استفادت كثيرا من الدرس، «وكانت ستنجح لو فتحت وزارة الصناعة مشاورات معمقة مع المهنيين والخبراء الذين يعرفون حقيقة الميدان عند إعداد دفاتر الأعباء».
واعتبر الخبير الاقتصادي، أن الضغوطات التي تمارسها «الجهات الأجنبية»، يدخل في صميم مهمتها في الدفاع عن مصالحها بطرقها الخاصة، مؤكدا «أنه لو وجدت قواعد قانونية لبناء صناعة حقيقية للسيارات في الجزائر، فلن تستطيع أي دولة عرقلتها».
وبالنسبة إليه، يظل دفتر الشروط المحدد لاستيراد المركبات الجديدة، «معيبا»، لأن «الشروط الصارمة التي يفرضها تجعله موجها، ويستطيع أصحاب الأموال الكبيرة استيفائها». مفيدا بأن «المعيار في كل دفتر أعباء هو الشفافية والمنافسة، وفتح المجال أمام تعدد المستويات (كبار وصغار الوكلاء) للنشاط».
ويرى الخبير بن يحيى، أن التمكين للخواص من استيراد مركبات أقل من 3 سنوات، بأموالهم الخاصة، كان سيضع الحكومة في غنى عن صراعات جماعات الضغط واللوبيات، لتتفرغ إلى بناء مصنعين أو 3 للسيارات بسعة إنتاج من 300 ألف إلى 600 ألف مركبة سنويا لتموين السوق الوطنية والتصدير وخلق شبكة مناولة حولها.
وأوضح، أن استيراد السيارات أقل من 3 سنوات، بالتزامن مع فتح مكاتب الصرف، سيكلف ما بين 500 إلى 600 مليون أورو سنويا (أموال الخواص) مع فرض غرامات جمركية محددة، لتوفر الحكومة مبلغ 2 مليار دولار الذي حددته لعمليات الاستيراد المقبلة.
وكان الوزير آيت علي، أوضح بمجلس الأمة، الخميس، أن 2 مليار دولار الموجهة لاستيراد المركبات، ستعود على الخزينة بـ1 مليار دولار، كحقوق جمركية وضرائب.