مع بروز نسخ جديدة من فيروس كورونا المتحوّر في العديد من بلدان العالم ارتبكت مخابر التصنيع، وتضاعفت المخاوف واشتد القلق العالمي حول مدى فعالية اللقاح وقدرة المخابر في الإسراع بتموين آمن وسريع لنسبة عالية من سكان العالم، خاصة في الدول المتقدمة التي مازالت تئن تحت وطأة تفشي الوباء وطائلة التوتر من مخاطر الإغلاق مجددا، ومتوجّسة من خيارات العودة إلى الغلق الإرادي الذي يقودها إلى نفق مظلم حول مستقبلها الاقتصادي.
المتتبع لخطوات الاتحاد الأوروبي ومعاركه المستميتة للسيطرة على الوباء الذي غير من مسارات نموها وتكتيك خططها، أنه لغاية اليوم لم يتحصّل سوى على أشطر ضئيلة من لقاحات طورت وصنعت على أراضيه، مقارنة بالجارة بريطانيا وشريكها التقليدي الولايات المتحدة الأمريكية، وبسبب ذلك تعلو السياسة الدولية شرارة جمر وسيل من الغضب، وجو من التوتر فرضته الجائحة، أفضى إلى حرب اللقاحات، في ظل اشتعال أزمة حقيقية بين الاتحاد الأوروبي والشركات المصنعة للقاحات المضادة، وفي صداراتها شركة أسترازينيكا، عقب عدم التزامها بتسليم الجرعات المتفق عليها خلال فصل الربيع، رغم مساهمة الاتحاد الأوروبي بما لا يقل عن 350 مليون دولار في أبحاث تطوير اللقاح بجامعة أكسفورد، وباتت بروكسل تهدّد باسترجاع جزء من هذا المبلغ.
ما لم تستسغه دول القارة العجوز القرار المفاجئ لشركة «أسترازينيكا» البريطانية السويدية القاضي بتأخير توريد اللقاح للاتحاد الأوروبي بسبب مشاكل في الإنتاج، لكنها بخلاف ذلك التزمت بتوفير الكمية الضرورية التي طلبتها بريطانيا بحجة أنها أول من تعاقد معها، يسجّل ذلك في وقت مازال ملف بريكست لم يغلق بالشكل النهائي، وجرح الانفصال لم يشف بعد، ويتوقع أن بروكسل لن تسكت وستلجأ إلى جميع الأوراق الضاغطة، في ظل الاستياء الأوروبي والتخوف البريطاني من سرقة اللقاحات منه، أمام وجود أصوات من داخل لندن لفتت الانتباه إلى خطر ذلك. مثلما كان البعض ينظر للوباء بأنه حرب خطيرة على حياة البشر والاقتصاد، فإن حرب اللقاح ستفتح المجال لبروز معارك طاحنة سيشهدها عام 2021.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.