كلفة الحروب لا تقتصر على الجانب المالي واللّوجيستي والبنى التحتية، لأن مخلّفاتها الإنسانية أكثر خطورة ووقعا على الشّعوب وتأثيرا على منظومة الأجيال التي تنشأ في بيئة مظلمة وظروف تراجيدية موجعة، فيلقى ضحايا الحروب مصيرا مجهولا ويتحوّلون من صفة مواطنين إلى لاجئين يحملون في ترحالهم ذاكرة مؤلمة ومستقبلا قاتما مطاردين بالجروح العميقة ومحاصرين بمشاعر الضياع، ويبقى الفلسطيني الأقدم في أنفاق اللجوء بعمر عقود وأجيال مازالت تئن من الغربة بعيدا عن أرض الوطن.
باتت المنطقة العربية منذ لعنة «الربيع العربي» المزعوم أكبر قبلة للنازحين واللاجئين الفارين من القصف والموت، فتعمّقت المأساة ولم يعد الفلسطيني وحده يتقاسم هذا المصير الحتمي المر، لأن ما عاناه السوريون والعراقيون واليمنيون رفع من الحيّز والأرقام والضحايا، وأكثرهم الأطفال والنساء الذين يعيشون في ظروف غير إنسانية لا تتوفر لهم أدنى شروط الحياة، ويمكن للمنظمات الحقوقية التي تنتقد وضعية حقوق الإنسان في العديد من الدول أن تبدأ من واقع اللاجئين، وتناضل في المحافل الدولية من أجل إيجاد حلول تنهي حياة اللجوء لضحايا الحروب والمؤامرات، بدل المناورة والاصطياد في المياه العكرة من أجل توجيه الانتقاد من وراء ستار مصالح جهات نفوذ خفية.
مأساة اللاّجئين لا يمكنها أن تطوى وأوضاعهم لن تتغير نحو الأفضل، إذا لم يتحرّكوا منظّمين في صفوف موحّدة ويتقاطعوا حول كلمة تجمعهم على الصّعيدين الداخلي والدولي، من أجل التأكيد أن لا حل لمختلف النزاعات وإنهاء الصراعات ما لم تضم حلا لقضية اللاجئين حسب ما نصّت عليه القرارات الأممية.
صرخة اللاجئين كذلك، يمكن للإعلام الاحترافي أن يحملها بأمانة وإنسانية، ويدعم مطالبهم ويكشف في نقطة ضوء عن ما يتجرّعونه من ويلات عسر الحياة وإقصاء.
لا يمكن أن تتحقّق الأحلام وتجسّد المطالب ويغيّر الواقع إلى الأحسن من دون نضال مستميت لأصحاب الشأن، فهل كتب على اللاّجئين أن يعيشوا إزدواجية المنفى والإقصاء..فمن يتحرّك لتفعيل القوانين التي تحمي حقوق عودتهم؟
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.