تنعقد قمة الإتحاد الأفريقي 34 في 6 و7 فيفري الجاري وسط تحديات كبيرة تعيشها القارة السمراء، استدعى الأمر طلب حضور القادة شخصيا رغم جائحة كورونا. وسيحظى ملف إسكات السلاح بحصة الأسد من أجندة القمة، المتزامنة مع انتخابات المفوضية، في ظل تجاذبات سياسية بين عدة دول تسعى لبسط نفوذها داخل التكتل خدمة لمصالحها.
شعار القمة لا يترجم حقيقة الأجندة المبرمجة لقادة ورؤساء حكومات الدول الأفريقية، فالمفوضية اختارت شعار «الثقافة والتراث والفنون روافع بناء قارتنا»، لكن مصادر تحدثت عن أجندة سياسية مكثفة، ويجري التحضير للقمة التي تسبقها تجاذبات سياسية حادة يتصدرها ملف إسكات البنادق بشكل كبير، ويتعلق الأمر بالاحتلال المغربي للصحراء الغربية، والإرهاب في الساحل، والتوتر حول سد النهضة، بين إثيوبيا والسودان ومصر، وغيرها من الأزمات، إضافة إلى ملف الإصلاح الداخلي.
جنوب إفريقيا تنهي رئاستها بدعم تقرير المصير
شكلت رئاسة جنوب إفريقيا للإتحاد الإفريقي أهمية كبيرة لقضية الصحراء الغربية وسعت أطراف داخل الإتحاد القاري إلى محاولة ثني بريتوريا عن مبادرة في دعم الجمهورية الصحراوية التي تعتبر عضو ومؤسس للإتحاد،
ورافعت جنوب إفريقيا خلال القمة الأخيرة حول إسكات البنادق إلى ضرورة حل النزاع بين الطرفين جبهة البوليساريو والمغرب، وفق اللوائح الشرعية لمنح الشعب الصحراوي حق تقرير المصير، وهو ما أثار انزعاج الرباط من هذا التحرك، وتعتبره تهديدا لعضوية الممكلة المغربية داخل التكتل الأفريقي الذي أنضمت إليه قبل أربع سنوات.
وستتولى جمهورية الكونغو رئاسة الإتحاد في دورته القادمة، تزامنا مع انتخابات المفوضية التي يرأسها حاليا موسى فقي، وترجح كل المؤشرات إعادة انتخابه لولاية ثانية لمدة أربع سنوات.
إسكات السلاح أولوية
عودة الحرب بين المغرب والبوليساريو أصبحت امتحانا حقيقيا لنوايا للإتحاد الأفريقي الذي يضم الطرفين، ورغم تحركه في السنوات الأخيرة لتحريك الملف على المستوى الأممي تلقى انتقادات بضعف القرارات حيال النزاع، وطغى موضوع الإصلاح الداخلي على مناقشات قادته في عدة مناسبات، إلا أنه استطاع مؤخرا تحريك المياه الراكدة بالصحراء الغربية ودعوته لنيل منصب داخل مجلس الأمن الدولي.
وقال موسى فقي أن أولويته في الولاية الثانية «إسكات السلاح» على صعيد القارة، مؤكدًا أنه قد تؤول المأمورية القادمة إلى إخفاق ذريع إذا لم نتوصل إلى حد جسيم لأصوات المدافع في دول الأزمات والنزاعات المسلحة في أفريقيا، وسيكون من أهم عوامل إسكات السلاح إجتثاث الإرهاب من الساحل ومن منطقة بحيرة تشاد وموزمبيق وتنزانيا والصومال وتعزيز السلم في جمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وفي ليبيا وتقديم مساهمة إفريقية فعلية في حل نزاع الصحراء الغربية.
الإصلاح الداخلي
حصيلة السنوات الأربع التي قضاها فقي في رئاسة مفوضية الاتحاد الافريقي، كانت ثرية، إلا ان المرحلة القادمة أكثر جدية بالنظر للاحداث الراهنة. وحدد فقي المترشح الوحيد للمنصب 8 أولويات في ولايته الثانية في رئاسة الاتحاد الأفريقي، والتي يأتي على رأسها استكمال الإصلاح المؤسسي وتعزيز الصلاحيات القيادية للمفوضية، موضحًا أنه ستقوم ركائز هذه الأولويات إلى جانب تدابير أخرى على استكمال الإصلاح وبناء نظام تمويلي قابل للاستمرار وتدعيم آلية لتنفيذ الإصلاح ومتابعته وتقوية الوحدة والانسجام بين القطاعات.
قال إن الأولوية الثانية في برنامجه ترسيخ مبدأ المساءلة والحساب في المجال المالي والإداري، موضحا أنه في إطار الجهود الهادفة إلى إقامة مؤسسة خاضعة لحكامة سليمة من الملح الاستمرار في تدعيم أطر وأنظمة الحكم الرشيد سعيًا إلى ترسيخ مبدأ المساءلة والحساب في الدوائر المالية والإدارية، ولهذا الغرض ستتلقى جميع القطاعات والمكاتب تعليمات تستلهم حسن
الأداء القائم على النتائج والتسيير الحذر للموارد طبقا للقواعد والنظم والسياسات المرسومة بهذا الشأن.
تتمثل الأولويات الأخرى في برنامج رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الوصول ببعض المشاريع المدمجة إلى بر الأمان وتقليص الفقر والعمل على تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الصمود الذاتي عبر إقلاع جديد للزراعة وللاقتصاد الأخضر وحماية البيئة، وكذلك تحفيز التفكير الإفريقي بشأن المحددات الجلية للأزمات، إضافة إلى تنشيط الشراكات الإستراتيجية.
أزمة سد النهضة
تثير أزمة سد النهضة قلق الإتحاد الإفريقي بشكل كبير مع غياب حوار حقيقي بين الدول الثلاث المعنية بالملف، لكن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي، أكد أهمية استمرار التنسيق لحلحلة الأزمة، التي تشهد مفاوضاتها تعثرا لافتا في الآونة الأخيرة.
استمرار المفاوضات، منذ أشهر، يوحي لغياب حل في الأفق القريب، لكن الإتحاد الأفريقي يؤكد أهمية استمرار التنسيق المكثف للعمل على حلحلة الموقف الحالي والوصول إلى اتفاق عادل ومتوازن بشأن هذه القضية الحيوية. وثوابت موقف مصر تقوم على حتمية بلورة اتفاق قانوني ملزم وشامل بين كافة الأطراف المعنية يتناول بالأساس الانشغالات المصرية، خاصة قواعد ملء وتشغيل السد، وترفض القاهرة أي عمل أو إجراء يمس حقوق مصر في مياه النيل.
كما تبدي استعدادها الدائم للانخراط في مفاوضات جادة وفعالة من أجل التوصل في أسرع وقت ممكن إلى اتفاق قانوني ملزم حول قواعد ملئ وتشغيل السد. وتشترط على أن يقابله التزام مُماثل من الجانب الإثيوبي، بما يحقق مصالح الدول الثلاث ويحفظ ويؤمن حقوق مصر ومصالحها المائية.
قبل أيام أعلن السودان بحثه خيارات «بديلة» بسبب «تعثر» المفاوضات التي تجرى مع مصر وإثيوبيا حول سد النهضة برعاية الاتحاد، منذ أشهر، رافضا الملء الثاني للسد في جوان المقبل دون الوصول لاتفاق.
منذ نحو 10 سنوات، تخوض الدول الثلاث مفاوضات متعثرة حول السد. حيث تصر أديس أبابا على ملء السد بالمياه حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه مع القاهرة والخرطوم، فيما تصر الأخيرتان على ضرورة التوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي، لضمان عدم تأثر حصتهما السنوية من مياه نهر النيل.
الثقافة في خدمة السياسة
التراث الأفريقي يحرض على القيم الأخلاقية بينما يتم التعبير عن الثقافة الأفريقية في فنونها وحرفها، والفولكلور والدين، والملابس، والمطبخ، والموسيقى واللغات، فقط عبر دول مختلفة ولكن أيضًا داخل دول فردية، وبالتالي، أدرك الاتحاد الأفريقي الدور الذي يمكن أن تؤديه الفنون والثقافة والتراث كمحفزات للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والتكامل في القارة الأفريقية، لهذا الغرض، فإن الحفاظ على الممتلكات الأفريقية القيمة مثل المباني التاريخية والأعمال الفنية والكتب / المخطوطات وغيرها من المصنوعات اليدوية التي تم تناقلها من الأجيال السابقة، سيأخذ مكانة مركزية من الآن فصاعدًا، حيث يسعى الاتحاد الأفريقي إلى دعم هذه القيم من خلال تكريس مجموعة كاملة.
وفقًا لموسى فقي، فإن شعار الاتحاد الأفريقي لعام 2021 «الفنون والثقافة والتراث: روافع لبناء إفريقيا التي نريدها»، هو موضوع مهم ويسير جنبًا إلى جنب مع الحركة بأكملها للإصلاح المؤسسي للاتحاد، «حيث أن الثقافة هي العلامة الرئيسية للهوية ومن خلالها نعرف من نحن حقًا».