حجم مساحات الجهل في الرؤوس عامل من العوامل التي على أساسها يتحدد تقدّم المجتمعات أو تخلّفها، وكلما زاد هذا الحجم تقلصت مساحات حركة المبادرة والبدائل وآليات إيجاد الحلول، وتقلصت المعرفة وعوامل التقدّم، وكلما تراجعت مساحات الجهل في الرؤوس كلما زادت فرص نجاح مخططات التنمية والتطوير والتقدّم بشكل عام.
أقول هذا الكلام وبنات أفكاري تبحث، مثلا، عن تفسير وجود مناطق الظل كحقيقة اجتماعية ومناطق فقر وحاجة، على جغرافيا الجماعات المحلية، ومن أين جاءت هذه المناطق التي تحيل سامع منطوق حرُوفها على وجود خلل ما في مكان ما، في محيط اتخاذ القرار على المستوى المحلي، أو سوء تنفيذ ما اتخذ من قرارات في مستوى أعلى من بلدية ودائرة وولاية، أو عدم تنفيذه أصلا، في زمن مضى، كانت فيه الإدارة عائقا في طريق التنمية والإصلاحات التي طرحت تباعا، لكنها لم تجد طرقا لتنفيذيها، لأسباب منها البيروقراطية الثقيلة والقاتلة للمبادرات، والحاجبة لكل محاولات المجتمع المدني في تحسين المحيط ولو من باب حملة تتكفل بها جمعية بيئية حاصلة على الاعتماد سنة 1989.. ومنها أيضا منعكسات شرطية بافلوفية لدى المسؤول المحلي، الذي يصدر أحكاما قيمية على مشاريع معينة، ويكون سببا في إحالتها على الأدراج، ولو بحسن نية!
تراكم ردود الفعل، مثل هذه، ولّد متاعب في «الجزائر العميقة»، التي يُحرم فيها الناس من غاز المدينة، المار أمام أعينهم، ومن الماء، وهو أساس الحياة، قبل أن يكون عاملا مساعدا على نجاح الفلاحة والتصنيع وغيره محليا. مساحات الجهل، التي تحاربها المدرسة والجامعة والمسجد، وكل أشكال التكوين العلمي والمهني والتكنولوجي، هي مساحات ينبغي أن تشكل «هاجسا» لدى الإمام، الذي يحاربها بإنارة دينية في مواضيع زارها الظلام، وينبغي أن يحاربها الإداري المكون في جيل من الإداريين، الذين لم تسعفهم الظروف في الحصول على «تكوين إضافي» في المستجدات، وتأثير التكنولوجيا والرقمنة.. ينبغي أن نصل إلى «إنارة عمومية» في الشأن العام، بتقليص مساحات الجهل في الرؤوس..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.