فرنسا التي تحارب الهجرة السرية إلى أوربا، أو بلدان أخرى غنية، هي نفسها فرنسا السبب -في مكان ما- في نشوء وتشجيع ظاهرة الهجرة السرية التي نسميها «حراقة»، وهي نفسها فرنسا العاملة على إطالة عمر الظاهرة بتجفيف منابع الخير والنمو في البلدان المنتجة لـ»الحراقة» في إفريقيا، خصوصا في مستعمراتها القديمة!
المتفق عليه أن منابع «الحراقة» في العالم إما أن تكون دول مستعمرة سابقا وحديثة عهد بالاستقلال، أو دول ضعيفة تأكل خيراتها الشركات متعددة الجنسية، والعابرة للقارات، أو هي بؤر توتر كبرى وبؤر حروب أوجدتها قوى عظمى في إطار تسابق تقليدي على مناطق النفوذ في العالم، لأسباب إستراتيجية أو تكتيكية أو كلاهما معا.
إلى وقت قريب جدا كان التدفق الرئيسي لهذه الظاهرة مصدره المُهجّرين (ولا أقول المهاجرين) من سوريا والعراق، بلدان فجرهما تنظيم غريب التسمية، فظيع الدور، وحولهما من دولتين مستقرتين إلى حد ما، إلى خراب، وتفكيك لكل ما بني من قُدرات ومُقدرات مادية ومعنوية، وجرى امتصاص «ما وراء صورة المهجرين» بلغة إنسانية تخفي ما تم نهبه، من وراء كاميرات صورت احتجاجا في قرية سورية من ست زوايا مختلفة على أنه ثورة، وبلع جزء من العالم الطعم، بناء على رواية «قالوا» الأمريكية الشهيرة، في ليّ عنق الحقيقة بـ»الفايك نيوز»!
من استفاد من الدول الغربية من تفكيك العراق وإعلان الحرب على سوريا وتمويل الحرب على اليمن، وفي إفريقيا ومناطق أخرى في العالم، وكيف؟ ذلك هو السؤال الذي ينبغي طرحه، بدل تسويق الرواية الأوربية عن «هجوم المهاجرين السريين» على القارة العجوز، التي تحتفي بهم إعلاميا وبطريقة «إنسانية»، حتى تُنسي الناس البحث في ما وراء الصورة، وفهم ما دار ويدور فعلا، باستعمال «واجهات جديدة» تعطي مبررات كافية لحكومات غربية، تكذب بالأرقام والنسب، على رأي جون زيغلر، فتغطّي بلاك ووترز بـ»داعش»، وتطمس مجازر فظيعة، بتركيز الصورة على الهاربين من الجحيم التي تصنعه في مناطق ترى فيها مصالح ينبغي أن تأخذها بـ»التفاوض» أو برسم حدود بؤر توتر جديدة، لا تخضع للقانون الدولي ولا للأعراف الدولية..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.