أكّدت المحامية ورئيسة الهيئة الوطنية للدفاع عن ضحايا التفجيرات النووية برقان، فاطمة الزهراء بن براهم، في حوار لـ «الشعب أونلاين»، أن المعركة اليوم قانونية لأن الواقعة التاريخية تجاوزها الزمن، وهذا الملف ثقيل يمس القانون الدولي والجرائم ضد الإنسانية، مضيفة أنه بمساعدة المحامين من بولينيزيا توصلوا لرفع دعوى على مستوى المنظمات الدولية لتصنيف هذه الجريمة، مشيرة إلى أن جمعية التوعية والدفاع عن حقوق ضحايا هذه التفجيرات ستكون قوة اقتراح للمجتمع المدني.
– الشعب أونلاين: باعتباركم مكلفين بملف التفجيرات النووية في رقان، هل من جديد بخصوص هذا الشأن؟
المحامية فاطمة الزهراء بن براهم: البحوث جعلتنا نبلور الملف، لكن بمساعدة دولة بولينيزيا، لأن هذه الأخيرة تضرّرت مثلنا ولديها ضحايا وطلباتهم هي نفس طلباتنا، الأمر الذي توصلنا إليه هو رفع دعوى أمام النائب على مستوى المنظمات الدولية بالأدلة، اليوم المعركة القانونية للجزائر وبولينيزيا تسير مع بعض، لديهم محامين وأنا أمثّل الطرف الجزائري، نحن على مستوى كيفية تصنيف هذه الجريمة دوليا للذهاب لمراحل أخرى، لهذا فالاعتراف لا يهمنا فقد تجاوزه الزمن.
إذا تمّ تكييف الملف كجريمة ضد الإنسانية نذهب لتفعيل معاهدة روما للمحكمة الجنائية الدولية في 17 جويلية 1998، التي تقول إن الجريمة لا تتقادم والدول مسؤولة، وهنا نصل إلى تفكير قانوني جديد وهو جريمة الدولة، وهذا ما يخيف فرنسا وربما بعض البلدان التي قامت بنفس الجرائم، فرنسا ارتكبت سياسة الأرض المحروقة.
اليوم الواقعة التاريخية تجاوزها الزمن يعني فرنسا ما تزال تحتفظ بالسر حول هذا الملف، المؤرخ لا يمكنه التحليل قانونيا هذه التفجيرات، لذلك تنتقل من المؤرخ إلى القانوني لوجود قوانين دولية تطرح فيها عدة أسئلة: هل فرنسا من حقها القيام بهذا العمل؟ ما هي نتائج العمل؟ من هو المتضرّر؟ ومن هو صاحب الفعل؟ كيف نصل إليه قانونيا لمعاقبته؟ القوانين الدولية هي من تجيب عنها، مهمتنا جمع الأدلة لإدانة الدولة الفرنسية على جرائمها.
أرضنا مسمّمة بسبب القنابل التي فجّرت، وهي مصنوعة من مادة سامة تسمى البلوتنيوم، التي تبقى في قلب الأرض مدة 24 ألف و400 سنة وحقيقة الأمر هي 48 ألف و800 سنة. باعتراف العلماء وحتى البلدان التي استعملت هذه المادة، هذه السموم تصاب بها أجيال وأجيال، بحيث تغير هذه الإشعاعات الناتجة عن التفجير الحمض النووي وجينات الإنسان، والآن نشاهد أطفالا يولدون بتشوهات خلقية، الجريمة متواصلة للأبد، الكل تضرر بهذه الإشعاعات التي وصلت حتى للمناطق الحدودية مع تونس، حيث اكتشف أطباء أن هناك أطفال تسقط أسنانهم عندما يصلون لسن الـ 14 سنة، وذلك بسبب شرب الماء الذي تلوث بالإشعاعات.
فرنسا ترفض الإفصاح عن العدد الحقيقي للضحايا، قبل التفجيرات وضعت الأرقام التسلسلية للأشخاص الذين سيخضعون للتجربة، أرشيف التفجيرات النووية متواجد لدى وزارة الدفاع الفرنسي، هم أخذوا صورا عن المنطقة قبل وبعد التفجيرات، وتلك الصور تظهر أن الحياة كانت تدب في المنطقة العامرة بسكانها وأشجارها وحيواناتها والواحات قبل القيام بهذه الجريمة، وبشهادة مجندين في الجيش الفرنسي الذين كان يرسلون رسائل لأهلهم يصفون فيها الصحراء بالجنة فوق الأرض، لكن بعد التفجيرات تحولت المنطقة إلى خراب، وبفضل شهادتهم تمكنا من التقدم في الملف.
في هذه القضية بدأنا بسرد وقائع تاريخية دون تبيان القاعدة القانونية التي بدأت بهذه الوقائع، لكن بمرور السنين خاصة في 2001 لما بدأنا مناقشة هذا الموضوع اكتشفنا جرائم كبيرة، ولكن كان مسكوتا عنها، لأن الملف ككل تحت خانة السر العسكري، ومن الصعب أن تعطيك أي دولة الوثائق وتفضح نفسها.
ولكن في سنة 2020، على الساعة السابعة و4 دقائق صباحا رفع السر العسكري بصفة قانونية معناه حياة السر العسكري انتهت، ولكن في الحقيقة هل تمكنا من الحصول على الوثائق؟ أقول لا،
وفي 2008 الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي لما شاهد الضجة وتصريحات عن التفجيرات النووية، فهم خطورة التقرير الذي صدر وتضمّن حقائق تعكس الكلام الذي كانت تدعيه في سنة 1960، وكذا الأكذوبة السياسية التي أطلقها ممثل فرنسا جول موش سنة 1957 لما ذهب إلى الأمم المتحدة لطلب الإذن لبلاده لتكوين السلاح النووي والتي سماها تجارب، بإخفاء الحقيقة والإدعاء أن هذه الأرض خالية من الحياة والإنسان أو الحيوانات، وهو ما دفع الأمم المتحدة للسماح لفرنسا للقيام بهذه التفجيرات ضانة منها أن ما تدعيه الدولة الفرنسية صحيح.
جرائـــم ضـــــد الإنسانيـة مـــــن اختصـــاص القانــــون الـــــدولي
– كشفتم العام الماضي عن لقاء في ماي 2020 سيجمعكم بمحامين فرنسيّين مكلفين بمتابعة ملف مماثل تورّطت فيه فرنسا ببولينيزيا، بغية توحيد جهود الطرفين للشروع في إجراءات المحاكمة، هل تمّ اللقاء؟
هناك ثلاثة زملاء واحد من بولينيزيا وثلاثة محامين من باريس الذين رفعوا القضية باسم دولة بولينيزيا، ونحن سرنا معهم لأن رئيس بولينيزيا السابق طلب مني أن يكون النضال القانوني مشتركا ما بين البلدين، لأن البلدين على نفس الدرجة من التضرر من التفجيرات النووية، أنا المكلفة بالملف، والذي يتجرأ بالقول إن هناك محامين آخرين خارج هذا الإطار فهم ليسوا محامين، لا توجد أي مبادرة لأن هذا الملف ثقيل وقضية كبيرة سياسية تمس القانون الدولي والجرائم ضد الإنسانية عمقها كبير، وكيف نبحث عن عناصر الجريمة ضد الإنسانية.
هناك جماعة من محامين جزائريين قالوا نرفع دعوى في رقان، وهذا لا يعقل، هذا ليس قطارا نركب فيه في أي وقت، هذا عمل قانوني محكم ومدقق جدا، وتطلب منا سنوات عمل واتصالات كي نصل اليوم لرفع دعوى موحدة لأن هذه الدعوى تكون على مراحل وليس مباشرة نتوجه للمحاكمة، هناك جهات أين يمكن محاكمة فرنسا، نبحث ونجتهد على المستوى الدولي لإدخال مصطلح الجريمة ضد الإنسانية في قاموس القانون الدولي.
إذا كانت الإرادة السياسية من طرف الدولة الفرنسية سيسهل الأمر على المحامين، لكن لحد الآن لا يمكن القول إن هناك إرادة سياسية فرنسية بسبب إصدار الرئيس الفرنسي ساركوزي السابق قانون غلق الأرشيف النووي بصفة نهائية، حتى الباحثون الفرنسيون لم يتمكنوا من التوصل لدراسة بعض الوثائق التي لها أهمية، وهذا بسبب الضجة التي أحدثتها سنة 2014 في البرلمان الفرنسي بتسجيل الجزائر كبلد متضرر من التفجيرات النووية، وتكلمت عن خريطة السحاب النووي التي انتقلت من الجزائر إلى دول إفريقية أخرى ومن إفريقيا صعدت نحو أوروبا، وهنا بدأ اهتمام أوروبا بالملف لأنهم تضرروا وأعطوني بعض البطاقات حول الإشعاعات النووية.
– من الناحية القانونية كيف تصنّفون هذه الجريمة؟ وهل تسقط بالتقادم؟
هذه الجريمة لا تسقط بالتقادم، لكن قمنا بجريمة في حق الدستور الجزائري، تحدثت عنها ولم تؤخذ بعين الاعتبار، أنا قانونية ولست سياسية، ونتكلم عن جريمة ضد الإنسانية. إنها جريمة ضد الإنسانية لا تتقادم وتبقى دائما ذات فعالية.
– ما هو سبب المناورات الفرنسية في القوانين وتهرّبها من الاعتراف؟
بطبيعة الحال في فرنسا هناك لوبي هو من يعرقل هذا الملف بالضغط على الحكومة الفرنسية، وأشير هنا أنه بعد عرض محاضرتي في البرلمان الفرنسي سنة 2014 تطرقت لكل النقاط التي هي موجودة الآن على مستوى البرلمان الأوروبي منها خريطة النفايات النووية، أنا أول المطالبين بها، وقد أخذت بعين الاعتبار واليوم يسيرون بها على المستوى الدولي، أما في الجزائر فهذا الأمر مسكوت عنه، كلما تصل القضية إلى نتائج يظهر لنا معارضون وكل واحد منهم يتحدث وكأنه على اطلاع بالملف.
جمعيـــة التوعيـة والدّفاع عـن حقوق ضحايا التفجيرات قوة اقتراح
– أطلقت المنظّمة غير الحكومية «إيكان» نداءً من أجل ممارسة ضغوط على فرنسا لاستخراج النفايات الناتجة عن التفجيرات النووية في صحراء الجزائر، هل شكّل ذلك دعما لمطالبكم؟
هذه هي الجمعية التي كانت معي في باريس عندما كنت أدافع عن هذا الملف، إذا اطلعت على تقريري الذي ألقيته في محاضرة بالبرلمان الفرنسي في جانفي 2014، ستجدين أن ما قاله البرلمان الأوروبي في 28 سبتمبر 2020 ودافع به نسخة طبق الأصل لمحاضرتي التي أحدثت ضجة كبيرة، حيث نشرت 168 مجلة علمية كل ما قلته في المحاضرة حول ملف التفجيرات النووية.
– ما تعليقكم عن تقرير بنجامان ستورا، الذي تجاهل جرائم فرنسا في الجزائر؟
ستورا مؤرخ فرنسي لا ألومه على تقريره، هو استجاب لطلب الحكومة الفرنسية في 17 جويلية 2020 ، والمشكل فرنسي-فرنسي لا يعنيني من قريب أو من بعيد.
فقط ألوم ستورا بما أنه تابع كل العمل المتعلق بالتجارب النووية بما في ذلك ملف المفقودين الذي تكلّمنا عنه في الجزائر سنة 2014، وفي نهاية تلك السنة ذهب الوزير الأول إلى فرنسا للتباحث في هذا الموضوع الذي تطرقت له اللجنة المشتركة بين البلدين التي أشرفت عليها وزارة المجاهدين آنذاك، دون إغفال ملف استرجاع مدفع بابا مرزوق، وهناك قانون في منظمة اليونسكو تسمح لنا باسترجاع هذا المعلم التاريخي.
لكن الإرادة السلبية لفرنسا هي من عطّلت ذلك، ملف التفجيرات النووية الذي طال أمده منذ سنة 2001 الجميع يعرفه.
المؤرخ يتكلم عن الواقعة التاريخية، لكن هذا تجاوزه الزمن، اليوم الواقعة القانونية التي تعاقب الفاعلين هي التي تفرض نفسها، فالقانون أصبح أعلى من الواقعة التاريخية، هذه الأخيرة ورقة عمل ولكن للبحث في التفجيرات النووية، ما هي طبيعة المادة المستعملة؟ وما هو تأثير هذه المادة على الإنسان والحيوان والطبيعة؟ وما هي القوانين التي تمنع، يتطلب عمل قانوني والأمر كبير وليس سهلا.
– أعلنتم عن تأسيس هيئة للتوعية والدفاع عن حقوق ضحايا، هذه التفجيرات تضم مختصين وممثلين عن المجتمع المدني، هل تمّ الأمر؟
نعم ستؤسّس جمعية جديدة وتمس كل الشرائح وأطراف أخرى، لأن هناك ضحايا من البلدان الحدودية، ويمكن الإعلان عنها خلال هذا الشهر، تم تعييني رئيسة للجمعية ومع جائحة «كوفيد-19» كانت هناك مشاكل، لكن أنا دائما في اتصال مع ضحايا تفجيرات رقان، والذين أرادوا الحضور لندوة المتحف الوطني للمجاهد أول أمس لكنهم لم يتمكنوا بسبب كورونا.
هذه الهيئة ستكون قوة اقتراح للمجتمع المدني وهكذا سنتقدّم في الملف، نجد القانونيين الذين يدافعون عن حقوق الضحايا وكذا الجمعيات، لدينا جدول بيانات معترف به على المستوى الدولي، يحدد من هم الضحايا من الدرجة الأولى والدرجة الثانية والثالثة وربما من الدرجة الرابعة مستقبلا.
– رسالتك فيما يخص هذا الملف الذي اشتغلت عليه منذ عشرين سنة؟
أقول إنّ هذا الملف ليس ملف شهرة أو مال أو البحث عن مناصب هو ملف قيم وقانون ووفاء لأبناء الثورة والشهداء والضحايا من الجيل الثاني والثالث، هي أكبر جريمة قامت بها فرنسا ضد شعب بريء والوثائق مخبّأة بصفة محكمة في دواليب الأرشيف الفرنسي ليس من السهل الوصول إليها.