من يعتقد أنه يرى أو يملك الحقيقة نرجسيٌّ، غير مصنّف في هذه الخانة فقط، وهو يشبه في مكان ما صحفيا يدّعي الاحترافية، لكنه يتحدث ويردّد كل ما له علاقة بـ»الفايك نيوز»، أو يردد «قالوا» أو «إنهم يقولون» على الطريقة الأمريكية، ويشبه سياسيا ينتقد سياسيا آخر في شكله، لا في محتوى ما يقدمه للرأي العام، ويشبه أستاذا ينهى التلاميذ عن الفحشاء والمنكر، ويمارس غواياته، ثم ينساب وسط الجموع القاصدة صلاة الجمعة، مثلا..
النرجسية أنواع، عليها، لا فيها، من النرجسية العلنية والصريحة إلى النرجسية الانتقامية، مرورا بنرجسيات «الجذابة والمغوية» و»الكامنة والخفية»، وهي موجودة في تمفصلات المجموعات البشرية، التي لم تستطع الانفصال عن مراهقاتية لصيقة بأمية تتجاوز معرفة شكل ومنطوق الحروف الهجائية إلى ما هو ألعن تأثيرا على «صناعة المستقبل» متى قرره جاهل أو أمي.. ونرجسي، له تأثير مباشر على مستقبل الأجيال، من تقرير مصير الولد، وفق تقاليد القبيلة أو مزاج الوالدين الأميين، إلى التدخل في شؤون الآخرين عن جهل وحب الظهور..
يذكر التاريخ كيف كانت النرجسية سببا في حروب مدمرة، وتشريد شعوب، وظهور بؤر توتر، أحيانا بسبب مزاج كاتب دولة للشؤون الخارجية، مثلما حصل في أوقات سابقة، احتل فيها «الكذب الرسمي» واجهة الأحداث، فاحتل العراق بكذبة امتلاك سلاح نووي، ونرجسية من رفض الاعتراف بوجود تقرير كاذب منذ البداية، أو من يرفض رؤية العالم على حقيقته مثلما حصل مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي زرع من النرجسية ما يكفي لبقائها حاضرة زمنا بقراراته العشوائية..
نفس التاريخ يذكّرنا بخطورة الجنس والسلطة والمال إذا ما اجتمعوا بيد نرجسي، كان في مكان ما وراء حربين عالميتين، ووراء تغوّل الشركات متعددة الجنسية، التي لا دين ولا أعراف لها، تقفز على القوانين الوضعية، ولا تجد مكانا في قواميسها لـ»حقوق الإنسان».. ووراء توزيع غير عادل للثروة يكرّس أمراضا أخرى لدى الأغنياء والفقراء، مثل الخيلاء والنرجسية والحسد والبغضاء، وما بينهما من مقدمات الأمراض النفسية في العصر الحديث، التي نعرفها، وتلك التي نجهلها..