كلمة فساد، التي حُشرت حشرا في قاموس السياسة، ليست دائما بمعنى وأبعاد سياسية، تتناقلها وسائل الإعلام، ويتردد رنينها في قاعات المحاكم التي تعالج ملفات فساد في التسيير، وتبذير المال العام، وسوء استعمال الوظيفة والسلطة.
بعيدا عن الخطابات السياسية، التي تردّد هذه الكلمة بكثير من الإصرار على استعمالها مستقبلا، في الحملات الانتخابية المقبلة، يتخفّى فساد من نوع آخر، في تلابيب نسيج اجتماعي وصل حدّ التطبيع مع الفساد في أشكاله الاجتماعية، و»النفسية»، التي كرست «نماذج فساد» مثيرة للذهول في كل الأوقات، مثل بيع «البلاصة» في طوابير المخالصة أمام مكاتب البريد، أو طوابير اقتناء أكياس حليب، في أوقات الندرة، وغيرها من مظاهر الفساد العابر للأنفس، التي لم تعد ترى في كثير من ممارساتها فسادا، ولا تصنيفا آخر غير طبيعي.
هذا النوع من الفساد يشكل حوصلة عفن اجتماعي عميق، وتراجع في فعالية مجموعة قيم، أو نتيجة فراغ قيمي في المجتمع، ناتج في مكان ما عن أعطاب في التركيبة الاجتماعية والذهنية المسيرة لتمفصلات الشأن الاجتماعي والعام، وهو نوع من الفساد يسميه المختصون في هذه المسألة تحديدا «الفساد الأفقي»، وهو مقابل للفساد العمودي، في حسابات وتصانيف الضالعين في مكافحة الفساد بكل أشكاله وألوانه السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وبين هذين النوعين من الفساد مساحات تلاقي، هي المساحة التي تتناسل فيها أنواع من «الفساد الاجتماعي»، مثل العينات التي ذكرناها سالفا، وغيرها من أنواع الفساد المُطبّع من «التشيبة» و «القهوة» و«حقي»، التي أفرزت صورا سلوكية التصقت بالمخيال الجمعي، الذي يذكرها في استذكار كل ما له علاقة بكل ما هو غير قانوني، منذ زمن «الطراباندو»، مع ما يعنيه ذلك من استحلال المتاجرة بكل شيء، بعيدا عن الأطر التنظيمية والقانونية..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.