في قصة «أليسْ في بلاد العجائب» التي قرأها بعضنا في شكل كتاب بلغات مختلفة، وشاهدنا البعض في شكل مسلسل للرسوم المتحركة أو في شكل فيلم سينمائي، تتعلّم تلك الفتاة الدرس بعد الآخر، وأول تلك الدروس هي أن للحقيقة أكثر من وجه، انطلاقا من لعبة الأوراق التي تُقرأ على الوجهين قراءتين مختلفتين.
ويبدو أن الناس في عمومهم رهائن القراءة الأحادية للعبة الورق، عندما رهنوا عقولهم عند وسائل دعائية كبرى لا تريهم إلا الوجه الذي تريد، ويبقى الوجه الآخر بعيدا عن «الزوم» الإعلامي، لا أحد يتكلم عنه ولا يكتشفه البعض إلا بعد فوات الأوان.
يصل التلاعب أحيانا حد التنويم المغناطيسي، فيصّور هذا شيطانا رجيما وخصمه ملاكا رحيما، مثلما يحدث في المناسبات الانتخابية الكبرى في أعرق الديمقراطيات الغربية وعند الدعاية لأية حرب محتملة، بشيطنة الآخر وتزييف الحقائق، فينساق الجميع إلى المذبحة الكبرى قبل أن تتغيّر الرؤية مع الأيام ويكتشف الجميع أن الشيطان ليس شيطانا والملاك ليس ملاكا.
ويصل التلاعب مداه، عندما يكون اكتشاف الوجه المعاكس للصورة مدروسا بعناية ويعمل المتحكمون باللعبة على إبرازه في الوقت المناسب، ليس حبّا في الحقيقة وإنما لغاية الاستمرار في التلاعب إلى ما لا نهاية، فيحدث أن يبقى المتلقي أسيرا بين وجهين يتحوّل أحدهما إلى شيطان والآخر إلى ملاك بالتناوب.
لقد اكتشفنا مع مرور الأيام وجوها كثيرة لأشخاص محدّدين، مثلما حدث ويحدث للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي يبدو أنه أدى الدور المرسوم له في الإطار المحدّد وعندما أراد تجاوزه تحوّل إلى شيطان، قبل أن يتغيّر المنظور شيئا فشيئا لتبرز مع الأيام صورة أخرى له غير معروفة سابقا، وقد يطوى ألبومه نهائيا، وتبرز صورة أخرى لشخص آخر.
ومع تعدّد الصور للشخص نفسه مع تغيّر الزمان، تبقى صورة صاحب اللعبة لا يراد لأيّ أحد معرفتها، وإلا توقفت اللعبة نهائيا وبدأت لعبة أخرى مختلفة.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.