شكلت جائحة كورونا منعطفا كبيرا خلال هذا العام، نظرا لآثارها الوخيمة على المستوى الاقتصادي يقول الدكتور جمال جعفري أستاذ الاقتصاد بجامعة المدية، الذي اعتبر أن تفشي فيروس كوفيد 19، أثر سلبا على الاقتصاد الوطني وجميع اقتصاديات الدول التي تعتمد بشكل كبير على عائدات المحروقات.
التباعد الاجتماعي ومنع السفر أدى إلى انكماش اقتصادي مفاجئ
لا يمكننا التطرق إلى واقع الاقتصاد اليوم دون الحديث عن كورونا وأثرها الكبير، الذي ألقت من خلاله بضلالها على الكثير من الميادين، كيف ينبغي اليوم العمل على تكييف اقتصادنا مع مختلف الظروف برأيكم؟
فرض تفشي الوباء على الشعوب اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الاحترازية، العزل والحجر الصحي والتباعد الاجتماعي ومنع السفر، مما انعكس سلبا على الاقتصاد، الذي أصبح يعيش حالة من الركود الحاد والانكماش المفاجئ، وبالتالي ظهور أزمة اقتصادية عالمية غير متوقعة.
أما بالنسبة للاقتصاد الوطني فقد أثر تفشي فيروس كورونا مع انهيار أسعار النفط بعدما شهدت ارتفاعا ملحوظا، حيث قاربت 70 دولار للبرميل قبل الجائحة وبدون سابق إنذار تنزل إلى أقل من 30 دولار للبرميل، سلبا على الاقتصاد الوطني وجميع اقتصاديات الدول التي تعتمد بشكل كبير على عائدات المحروقات، مما سيشكل تحديا كبيرا لهذه الدول التي تعاني من هشاشة أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.
لن يكون من السهل إعادة تشغيل اقتصاد وطني حديث مترابط بعد انتهاء الأزمة، كما أن تعافي الاقتصاد سيبدأ عندما يستطيع مسؤولوا الصحة أن يؤكدوا للمجتمع أنه قد تم احتواء الفيروس وأن الحصانة من المرض الذي يسببه قد زادت، هنا ينبغي أن تكون استجابة صحيحة وقوية من الحكومة والشركات والأفراد بما يتعلق من خلق سياسات اقتصادية رشيدة تؤهل البلد للخروج من التبعية المطلقة لقطاع المحروقات ومن ثمة تنويع مصادر الثروة، مما يمكننا أن نحد من الانكماش الاقتصادي القادم وتقصير مدته والمساهمة في انتعاش أكثر حدة وأقوى وأكثر استدامة.
انهيار أسعار النفط سبب تراجعا في مداخيل البلاد من العملة الصعبة
تساؤلات كثيرة يطرحها المواطن حول أسباب ما يتم تداوله من انهيار للعملة الوطنية، فما هي أسباب التراجع في عملة الدينار؟
مع نهاية السنة الجارية سجل الدينار الجزائري تراجعا كبيرا في قيمته لم يشهدها من قبل، وفق أرقام كشف عنها بنك الجزائر، بعد أن بلغ سعر صرف 1 دولار مقابل الدينار 132.22 دينارا في شهر ديسمبر.
وضع يطرح العديد من التساؤلات حول السقوط الحر لقيمة الدينار الجزائري، وانعكاساته على الاقتصاد وعلى القدرة الشرائية للمواطن البسيط. حيث يرتبط تراجع قيمة الدينار الجزائري أساسا بتراجع مداخيل البلاد من العملة الصعبة بسبب انهيار سعر النفط، الذي ساهمت فيها بشكل كبير جائحة كورونا، وما سببت من انكماش للاقتصاد العالمي، حيث ينتظر أن تبلغ إيرادات صادرات المحروقات حوالي 23 مليار دولار مقابل 33 مليار دولار السنة المنصرمة.
ويرتبط الاقتصاد الجزائري بشكل وثيق بعائدات صادراتها من النفط التي تتجاوز 90 في المائة من مداخيل الدولة من العملة الصعبة، وفشلت كل الخطط الاقتصادية خلال العقود الماضية، في تنويع الاقتصاد الجزائري خارج قطاع المحروقات، بالرغم من اعتمادات مالية ضخمة سخرت لإنعاش قطاعات الخدماتية والصناعية والفلاحية.
وتتعدد الأسباب الكامنة وراء تراجع قيمة الدينار في الجزائر، حيث أن البنك المركزي (بنك الجزائر) يقوم بتحديد سعر صرف الدينار وفق متغيرات أساسية ينظر إليها كل عام، وأهم هذه المتغيرات، الميزان التجاري وميزان المدفوعات، أسعار ومداخيل البترول واحتياطي الصرف، حجم النفقات العمومية، التنافسية والإنتاجية بين الداخل والخارج. لكن في نفس الوقت يأخذ بعين الاعتبار وبين الحين والآخر تغيرات أسعار سلة من العملات أهمها الدولار واليورو باعتبارهما أهم العملات في تجارتنا الخارجية.
وتعتمد الجزائر في تحديد سعر الصرف نظام سعر الصرف العائم المدار، أي أنه يخضع لبعض المتغيرات وأهمها تلك التي ذكرناها سابقاً، وبما أن هناك تدهوراً في المتغيرات المذكورة سابقاً بمعنى أن هناك عجزا في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وتراجعا في مداخيل النفط بسبب انهيار الأسعار بعد جائحة كوفيد 19، التآكل السريع في احتياطي الصرف الذي يعتبر النواة الصلبة لدعم العملة، ضعف إنتاجية الاقتصاد الوطني.
وهذه المؤشرات لا يمكن تعافيها في الأجل القصير، فقد أعلنت الحكومة في قانون المالية 2021 بالتنسيق طبعاً مع بنك الجزائر عن تخفيضات في سعر صرف الدينار تقدر بـ5 في المائة سنوياً ولمدة ثلاث سنوات مقبلة أي إلى غاية 2023 وذلك لربح الفارق في سعر الصرف خاصة بعد انخفاض مداخيل المحروقات ولدعم أكبر لعجز الموازنة، وهذا حتى لا يتم اللجوء إلى حلول أخرى كالاستدانة.
تطبيق برامج مستعجلة وفعالة ضروري لإنعاش الاقتصاد الوطني
الاقتصاد الوطني يعيش اليوم على وقع تغيرات كبيرة وتحديات أكبر، فهل هناك فرصة لتحقيق إقلاع اقتصادي في ظل هذه المعطيات؟
تملك الجزائر الكثير من المقومات الاقتصادية في جل قطاعاتها سواء قطاع الفلاحة أو الصناعة بالإضافة إلى باقي القطاعات ومن أجل تحقيق إقلاع اقتصادي فعلي بعدما شيدت بعض البنى التحتية خاصة منها الطرقات السريعة، بالإضافة إلى بعض المشاريع الكبرى التي لا تزال في طور الإنجاز كل هذا يجب أن يتماشى مع مضاعفة مساهمة القطاع الصناعي وعصرنة القطاع الفلاحي لتحقيق الأمن الغذائي وتنويع صادرات البلاد عبر إحداث مجالات اقتصادية جديدة تحل محل المحروقات والبناء والأشغال العمومية ومن ذلك الفلاحة والصناعة والخدمات وتحسين ظروف الاستثمار الخاص والعام بشكل متساو وخلق شراكة بينهما، بالإضافة إلى تخفيض نفقات التجهيز المسجلة مباشرة في ميزانية الدولة، كما يجب تطوير الطاقات المتجددة وتجسيد سياسة جديدة لنجاعة الطاقة وتوفير فائض هام من إنتاج المحروقات قابل للتصدير دون أن نهمل تخفيض معدل نمو الاستهلاك الداخلي للطاقة،وقد أصبح من الضروري مراجعة سياسة الدعم التي تنتهجها الحكومة الجزائرية منذ الاستغلال بشكل غير عادل.
في ظل ما يعرفه اقتصادنا من هبوط للدينار في سوق العملة، هل من حلول ممكنة لاسترجاع قيمة العملة الوطنية؟
أمام هذا الوضع الاقتصادي الهش الذي يطبعه تراجع قيمة الدينار، وفي ظل تراجع العائدات النفطية خاصة هذه السنة بسبب ما خلفته جائحة كورونا، أعتقد أنه بات من الضروري إيقاف التسيير الإداري لسعر صرف الدينار، ثم وضع برنامج زمني تدريجي وله أجل محدد ونهائي لتعويم الدينار الجزائري بشكل كامل.
هذا بالموازاة مع إصلاح أنظمة الدعم وحماية الطبقات الهشة التي ستتضرر من خلال هذا التعويم التدريجي، كما يجب الإسراع قدر الإمكان في تطبيق برامج مستعجلة وفعالة لإنعاش الاقتصاد الوطني وتنويعه حتى تكون هناك مداخيل أخرى للعملة الصعبة كالصادرات خارج المحروقات والسياحة عوض الاكتفاء بمصدر وحيد لها حالياً وهو المحروقات.
بالإضافة إلى الاعتناء بمورد هام جداً لم يُحسن استغلاله للأسف لحد الآن وهي تحويلات المهاجرين والتي تعتبر مورداً هاماً للعملة الصعبة في بلدان أخرى عربية أو مجاورة ومن أجل نجاعة العملية يشترط القضاء على السوق الموازية للعملة الصعبة والتي تستقطب حالياً معظم تلك التحويلات لأنها تعطي للمهاجرين سعراً أحسن وبالتالي لا تجد طريقها لدعم احتياطي الصرف للبلاد.
هذه التحويلات وفي حال تهيئة الظروف المناسبة لها يمكن أن تبدأ من حوالي 3 مليار دولار سنوياً وتصل بعد سنوات قليلة إلى 8 مليار دولار أو أكثر بالنظر لوجود حوالي 7 ملايين مهاجر جزائري يعملون خارج البلاد.
دون أن ننسى الاستثمار في السياحة الصحية وما تجلبه من عملة صعبة على غرار دول الجوار وذلك ببناء مستشفيات بمستويات عالمية.
من خلال ما تشهده بلادنا من مساع للتغيير نحو جزائر جديدة، يحتل الاقتصاد فيها أهمية قصوى ما المطلوب العمل عليه من أجل بناء اقتصاد وطني قوي؟
في البداية أريد أن أوضح، وهو أن البلاد لم تدخل بعد في أزمة مالية، ونظريا بالإمكان تحقيق إقلاع اقتصادي بالنظر إلى ما تتوفر عليه خزينة الدولة من احتياطات للصرف بالعملة الصعبة فضلا عن نسبة الادخار لدى الأسر الجزائرية، وهذا كاف من أجل تجنب الصدمة المالية.
وعليه فالشروط المالية موجودة يضاف إليها الشروط التشريعية التي يجب تطبيقها على أرض الواقع وهذا يتطلب شرط واحد يتعلق بالإرادة السياسية، ثم يجب ترشيد النفقات العمومية أقول ترشيد وليس تقشف، حيث أن التقشف يمس بطريقة مباشرة بالجبهة الاجتماعية.
أما ترشيد النفقات فهو إجراء ليس له تداعيات مباشرة على الجبهة الاجتماعية، وذلك من خلال الاستمرار في نهج سياسية الدعم الاجتماعي لكن بشكل عادل موجه للفئات التي تستحقه، كما نحن مطالبين اليوم بالتركيز على قطاعات الطاقات المتجددة، المؤسسات الصغيرة، الصناعات التحويلية.
إن الاقتصاد القوي يجب أن يكون منفتحا، متنوعا، قائما على التخطيط والاستشراف من أجل إعادة التموقع في الأسواق الخارجية ورفع مستويات التصدير وتحسين مناخ الاستثمار.
كما يجب التفكير في كيفية إعادة بعث نشاط المؤسسات الاقتصادية التي تعاني من صعوبات مالية وفي كيفية دمج الاقتصاد المهيكل مع الاقتصاد غير المهيكل، إضافة إلى تنظيم الأسواق والمعاملات المالية.
كل هذه الإصلاحات الجوهرية يجب أن يرافقها تخفيف في الإجراءات القانونية المؤطرة للأنشطة الاقتصادية والاستثمارات ما سيسمح برفع قيمة مداخيل الدولة من العملة الصعبة التي تضمن الازدهار والرفاهية للشعب.
كلمة أخيرة
في الأخير، أعتقد أن الجزائر ضيعت في السابق فرصا كبيرة للإقلاع الاقتصادي، وكان بالإمكان في السنوات الماضية أن تحقق قفزة كبيرة في التنمية، واليوم آن الأوان للأخذ برأي الخبراء والمختصين للنهوض فعلا بالاقتصاد الوطني.