سجل انطلاق قطار التطبيع خسارة أخرى مع إضعاف جميع «أوراق الضغط» التي كان يمكن أن يلجأ إليها الفلسطينيون ويوظفها العرب من أجل الوقوف في وجه الكيان الصهيوني، بهدف استرجاع الأرض المغتصبة وتحقيق حلم عودة الفلسطينيين إلى وطنهم، بل أن المخاوف بدأت تتصاعد حول خطورة أن تدفع كرة المصالح نحو المزيد من التنازل، خاصة بعد عدم الوفاء بالعهود التي قطعها بعض العرب على أنفسهم في مبادرة السلام لعام 2002، والمتمثلة في عدم إقامة أي علاقات مع الاحتلال الصهيوني، قبل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ضمن حدود عام 1967.
طريق التطبيع هش يفتح مسارات ضيّقة معبأة بالوحل ترسي حلولا جائرة ومخزية في تسوية الصراع الفلسطيني الصهيوني، وسط تصاعد موجة الانتهاكات الصارخة التي يقترفها المحتل يوميا، تبدأ بمواصلة تهجير أصحاب الأرض والتمادي في توسيع نطاق المستطونات، مخترقة جميع اللوائح والقوانين الدولية، ولن يزيد تقدم قطار التطبيع نحو محطات جديدة، إلا خطرا على تفرّق الصف العربي وتعميق تفكك وحدة الأمة، لأن التطبيع ولد وعصا الشيخوخة بيده، لن يقدم للعرب لا السلام ولا الحماية الأمنية، كما يتوّهم البعض.
وإن كان آخرون يعتقدون أنه لم يبق من أوراق الضغط سوى المقاطعة وشجب التطبيع بما يرمز إلى الصمود والتمسك بدعم القضية الفلسطينية، لأن خطوة التطبيع تتجاوز الخذلان والخيانة، كونها تمنح الضوء الأخضر لضياع القضية الفلسطينية ووضعها في طريق مسدود وسط محاولة المطبّعين و»العرّاب الأمريكي» تلميع الحقائق، بعد أن كانت قضية احتلال وتحرّر وطني وقضية العرب الأولى، كونها أقدم مستعمرة تنتظر أن تنصف بعيدا عن إدعاءات وتشدق العالم الغربي بضرورة احترام حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
لا يمكن من خلال القوة الناعمة سواء عبر الفن أو الإعلام الترويج للسلام الأعرج وتغيير الحقائق الناصعة، لأنه ذر للرماد في الأعين، ولأن هذا الأسلوب الخاطئ يجنح إلى نسج جسور لسلام وهمي والحق الفلسطيني لم يسترجع، و يستحيل أن تستقر المنطقة ويطوى الصراع مادام الكيان الصهيوني حقق جزءا كبيرا من مشروعه الاستيطاني الظالم وغير المشروع، ضاربا عرض الحائط بالمطالب الفلسطينية، على اعتبار أن المحتل لم يتراجع عن أي خطوة ولم يتنازل عن مصالحه، بل ويرى في إيجاد حلفاء وأصدقاء له في المنطقة العربية، انتصارا لمشروعه التوسعي الذي لن يتوقف عن التمدد، وستدفع المنطقة العربية ثمن أطماع التطبيع المجنونة عاجلا أم آجلا.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.