في الذكرى الأولى للحراك قرر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ترسيم يوم 22 فيفري الموافق لانطلاق الحراك الشعبي”يوما وطنيا للأخوة والتلاحم بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية”.
يوم يخلد الهبة التاريخية للشعب، يحتفل به بجميع التراب الوطني من خلال تظاهرات وأنشطة تعزز أواصر الأخوة واللحمة الوطنية، وترسخ روح التضامن بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية.
وعشية ذكراه الثانية، خاطب رئيس الجمهورية شعبه بلهجة صريحة وواضحة، داعيا الشباب إلى اقتحام العمل السياسي، حتى يكون له وزنه في اتخاذ القرار.
وأعلن بالمناسبة قرارات من شأنها الاستجابة لمتطلعات الشعب، أهمها إصدار عفو رئاسي عن ناشطين حراكيين، وحل المجلس الشعبي الوطني، وإجراء تعديل حكومي جزئي، في قطاعات يشعر المواطن أنها قصرت في ٱدائها.
اليوم تستوقفنا الذكرى للتمعن في حصيلة سنتين كاملتين، بين مد وجزر، منذ انطلاق أول شرارة للحراك الشعبي، كأنموذج حضاري لتعبير شعبي سلمي، خلص إلى إصلاح نظام بأكمله.
“لا للعهدة الخامسة”..
22 فيفري 2019 خرج الجزائريون في احتجاجات عارمة، ورفع المتظاهرون لافتات كتبوا عليها “لا للعهدة الخامسة”، رفضاً لترشح الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، لعهدة خامسة، هو الذي تولى المنصب قرابة 20 سنة.
في صور سلمية وحضارية قلّ مثيلها، أبهرت العالم أجمع، جاب الجزائريون شبابا، كهولا، شيوخا، نساء وحتى أطفالا، شوارع العاصمة ومدن أخرى في البلاد، رافضين “مسرحية العهدة الخامسة”.
وكان بوتفليقة أعلن نيته الترشح لعهدة خامسة، في العاشر من فيفري، رغم ظروفه الصحية المتدهورة وعجزه عن آداء مهامه وصلاحياته الدستورية كاملة.
في العاشر من مارس، صرح رئيس الأركان، المرحوم أحمد قايد صالح أن الجيش “يتقاسم” مع الشعب “القيم والمبادئ نفسها”.
وأعلن بوتفليقة في 11 مارس، عدوله عن الترشح لولاية خامسة، وإرجاء الانتخابات الرئاسية لأجل غير مسمى، مع المطالبة بعقد ندوة وطنية وتعديل الدستور.
نزل الشعب إلى الشارع مجددا معبرا عن رفضه التام لمراوغة السلطة من أجل تمديد العهدة الرئاسية الرابعة، التي من المفروض أن تنتهي صلاحياتها في 28 أفريل .
في خطاب شديد اللهجة، استجاب رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، المرحوم الفريق أحمد قايد صالح لنبض الشارع، بتاريخ 26 مارس، معلنا تطبيق المادة 102 من الدستور، التي تسمح بتنحية الرئيس بسبب ظروفه الصحية وعجزه عن ممارسة صلاحياته.
في 2 أفريل بعث الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، رسالة استقالة إلى المجلس الدستوري، مليئة بعبارات الاستعطاف، يعلن فيها التنحي نهائيا عن السلطة.
وفي التاسع من أفريل، تم تعيين رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئيسا بالنيابة، وسيستتقيل رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز من منصبه، منتصف ذات الشهر.
تتوالى الأحداث وتتسارع، ليقرر بعدها المجلس الدستوري، في الثاني من جوان، إلغاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الرابع من جويلية، على خلفية عدم وجود مترشحين.
وفي منتصف شهر سبتمبر، اعتمد البرلمان بشكل طارئ قانوناً لتشكيل سلطة انتخابية مستقلة، وآخر لمراجعة القانون الانتخابي.
وأعلن بعدها رئيس الدولة بالنيابة عبد القادر بن صالح، عن إجراء انتخابات الرئاسية في 12ديسمبر من نفس السنة.
محاكمة مسؤولين كبار في قضايا فساد
توالت بعدها إدانات ومحاكمات لكبار المسؤولين في السلطة السابقة، بتهم متعلقة بالفساد ونهب ثروات البلاد.
وافتتحت مطلع ديسمبر أول محاكمة بتهم الفساد ضد رئيسا وزراء سابقين، ومسؤولين سياسيين ورجال أعمال في قطاع تصنيع السيارات.
وقضت المحكمة في العاشر من ديسمبر بالسجن 15 سنة ضد رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى و12 سنة لسلفه عبد المالك سلال، بعد إدانتهما في قضايا فساد. فيما أدين بالسجن عدد من المسؤولين السابقين بذات التهم.
ورغم كل الاجراءات والتدابير المتخذة من قبل الدولة لتلبية مطالب الحراك المشروعة بالقضاء على الفساد والمفسدين، ظلت بعض الأصوات المعادية تتعالى من الداخل والخارج، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، واصفة مؤسسات الدولة بازدراء، في خطوة مجحفة للاجراءات المتخذة، مثيرة الفتنة والبلبلة في صفوف الشعب، في محاولة صارخة للمساس باستقرار البلد وأمنه واستقراره.
تبون رئيسا.. والعودة إلى الشرعية
بعد مخاض عسير، نظمت الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر، شارك فيها 41,07 بالمائة من الجزائريين، فاز بها المترشح عبد المجيد تبون بنسبة 58.15 بالمائة من الأصوات.
فور تنصيبه، استهل الرئيس المنتخب ورشات، لتحسين الظروف المعيشية للمواطن، بوضع خطة لانعاش الاقتصاد الوطني، كخطوة أولى لاصلاح ما أفسدته المنظومة السابقة.
مع السعي نحو بناء جزائر جديدة، بسواعد شبانها وطاقاتها، التي همشت طويلا على يد عصبة عاثت في الجزائر فسادا، ونهبت ثرواتها ومقدراتها.
وبعد أقل من سنة على انتخابه، أوفى تبون بالتزاماته في إحداث تعديل في الدستور يتماشى وتطلعات الشعب، فكان الاستفتاء على الدستور الجديد في الفاتح من نوفمبر 2020، بشرة خير على المواطن، رغم نسبة المشاركة التي لم تتجاوز نسبة 23.7 بالمائة، والتي أرجعها الكثير من المحللين السياسيين إلى تداعيات تفشي جائحة كورونا.
وبالرغم من التحديات التي واجهت الرئيس من تفشي فيروس أنهك العالم بأسره، وانهيار لأسعار النفط، إلا أنه كان يلح ويشدد في كل مرة على الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، كالتزام بأهم بنود برنامجه الرئاسي من حفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة ودعم الطبقات الهشة.