قطع اللّيبيون أشواطا معتبرة في مسار بناء السلم وترسّخت لدى الفرقاء، قناعة أن لا سبيل للتسوية والحفاظ على البلد من بركان الفوضى والانحراف، سوى قنوات التفاوض وتبّني لغة الحوار وتحكيم العقل والمنطق ومصلحة الوطن، وجاء التوافق لينهي عبث الجماعات الإرهابية، في انتظار طردها خارج الأسوار اللّيبية بشكل نهائي، وإثر ذلك تشكل وعي كبير بعد التجربة القاسية، ولعلّ الانفراج بعد اتضاح الرؤية يعد مكسبا لا ينبغي أن يسمح الشعب اللّيبي بالتنازل عنه، ووحده من يمنع العودة إلى المربع الأول ويجهض المساعي الشريرة الرامية إلى تصعيد الأزمة، وإزالة كل تهديد يستهدف تمزيق البلد وتشريد الشعب.
لا يمكن أن يشعر بالألم، إلا من لامس أسفل قدمه الجمر المشتعل، ولا يمكن أن يفرّط في الأمن والاستقرار من تجرّع لوعة الحرب وقسوة اقتراب شبح الموت، لأن الشعب اللّيبي استوعب الدرس جيدا ويستعجل تطهير أرضه من سموم الإرهابيين والمرتزقة، ولن يقبل بأي خطوة للوراء، وكل المحاولات التي يجتهد فيها لعرقلة مسار حتمي نحو الاستقرار، لن تسرق الانجازات السياسية ولن تنسف الحلول السلمية، من طرف أصحاب المصالح ممن يسيل لعابهم للانقضاض على الفريسة، إذا لن تسكت قوى الشر الطامعة التي تتحرك بأياد أجنبية ولن تتراجع بسهولة عن سياسة إراقة الدماء من دون استسلام، بل وستحاول الضغط مجددا، لكن الشعب اللّيبي حسم خياراته واختار طريقا صحيحة تمكنه من إعادة بناء مؤسساته عبر انتخابات شفافة تمتص الخلافات وتوّحد الصفوف، ولعلّ هذا ما يزيد من يأس المغرضين والمتآمرين، وما يجعلهم يحاولون الانتقام من السلم والسكينة عبر تصفيات جسدية لمسؤولين في الحكومة اللّيبية وآخرها محاولة تصفية باشاغا وزير الداخلية في حكومة الوفاق.
اتضحت الحقيقة كاملة وأدركت الشعوب التي اكتوت بنيران ما يسمى بـ «الربيع العربي»، من بينها اللّيبي، بعد مرور 10 سنوات على الاحتجاجات، أن ثمن السلم والاستقرار باهظ جدا، لذا لن يفرط اللّيبيون مجددا في المكاسب التي حقّقوها بشق الأنفس، وعلى إثر ذلك سيعود دعاة الحرب ومن يقفون معهم خاسرين خائبين إلى معاقلهم، إذن انتهى وقت الكذب، فلا ربيع بكلفة الدماء والدمار ولا حرية بثمن الأرواح.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.