الحراك ليس حراك الشعب لوحده، فهو حراك جميع مؤسسات الدولة، فالشعب تحرك كدلالة على التطور الذي وصله المجتمع الجزائري في مجال الوعي السياسي، وفالمقابل كان هناك حراك اخر في المجال الاقتصادي، تمثل في الثورة ضد رموز الفساد ومازال مستمر ليمتد الى الجماعات المحلية، وهي حركة لكي تصل الى درجة صفر او تقارب الصفر في الفساد الاقتصادي والمالي والاداري، من خلال اعتماد مقاربة رشيدة للحكم.
الحراك أيضا كان حراك الجيش، الذي تخلى عن بعض رموزه في حركة داخلية استجاب فيها للمطالب الشعبية، وهو تحرك موضوعي للمؤسسة من خلال ظهور اطار جديد للتفكير تجاوز التفكير العسكري التقليدي، بحيث وصلنا في الجزائر الى نوع من التولفة العسكرية، التي تجمع بين القادة الكبار الثوريين والنوفمبريين والكادر العسكري المتكون في خبرات عالمية عالية، فهم القادة العسكريين الجدد المتفاعلين مع التكنولوجيا الجديدة والمخاطر والتهديدات الهجينة، من منطلق المزاوجة بين الخبرة والتطور التكنولوجي.
النخبة السياسية أيضا أصبحت مستعدة للتفاعل مع بعض مطالب النظام السياسي، والنظام السياسي مطالب اليوم بالانفتاح على النخب السياسية، لان ارتفاع مستوى التعليم اعطانا نخبة جديدة واكثر فاعلية، بحيث اصبحنا نجد في الجزائر اصوات فاعلة سواء داخل الاحزاب السياسية او المجتمع المدني، ومدركة لحاجز الاخطار التي تمر بها البلاد، وتفرق بين عملها الحراكي وعملية التخريب الداخلي والتي هي منشودة من قبل اطراف اخرى.
هذه النخبة تتقاسم مع النظام السياسي عدة وجهات نظر، مثل مكانة الجزائر الدولية، المصلحة الوطنية، العدالة الاجتماعية، التنمية الوطنية، الاستقرار الداخلي، الوحدة الوطنية،تعزيز الديمقراطية، ولذلك يمكن ان تكون وجهة هذه القضايا عامل مشترك بين النظتم السياسي والنخبة، ولذلك وجب التحالف بينهما لان الامر اصبح ضرورة حياتية ، فتكيف النظام مع النخبة مهم، فاما تكون مع النظام ومتحالفة مع المجتمع واما تكون هناك قوى سياسية سوف تستخدم النخبة ضد النظام وضد المصالح الوطنية.
رغم التفاؤل إلا أن هناك جزائريون وضعوا أنفسهم في خدمة الأجندات الخارجية مستغلين الحراك، وحاولو بذلك اختراقه وسجلو اسمائهم على حساب معانات الجزائريين، وهذا ينذر بمجموعة من الاخطار الفكرية والثقافية والسياسية ويدعونا لتشكيل ما يشبه جيش الوعي، فكما يوجد جنود يدافعون عن حدودنا الحغرافية، لابد من قادة للوعي يقودون معارك الوعي لحماية حدودنا الثقافية والقيمية، وهذا يتطلب مرة آخرى لنوع من التفاعل بين النخب وجيشها، وهذا يدفعنا للقول أن الالتحام بين الشعب وجيشه يمكن وحده تحقيق المعجزة في الجزائر، سبق ذلك في تجربة التحرير، وسبق ذلك في المعركة ضد الارهاب، وأراه ممكن في معركة الوعي ومواجهة الاخطار والتحديات وبناء المؤسسات التي لا تزول بزوال الرجال.
أ.د. إدريس عطية
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية- جامعة الجزائر3