يحتفل الشعب الصحراوي، اليوم، بالذكرى 45 لإعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وسط تطوّرات خطيرة، أشدّ ما يميّزها استئناف الكفاح المسلّح بين الجيش الصحراوي وقوات الاحتلال المغربي، منذ منتصف نوفمبر الماضي، ثمّ الإعلان اللّعين الذي أصدره الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والذي منح بموجبه ما لا يملك لمن لا يملك، حيث فوّض نفسه فوق الشرعية والمؤسسات الدولية، وانحرف بسياسة الحياد الأمريكية تجاه تصفية الاستعمار من آخر مستعمرة إفريقية، ليزكي احتلال المغرب للأراضي الصحراوية مقابل انخراطه في عملية التطبيع المهينة والمشينة مع الكيان الصهيوني.
أربعة عقود ونصف تمرّ على ذلك التاريخ الذي أخذ فيه الصحراويون زمام المبادرة بكلّ إصرار وعزيمة وأعلنوا قيام جمهوريتهم لملء الفراغ الذي ترتّب عنه انسحاب المستعمر الإسباني من أرضهم، بعدما أبرم اتفاقية مدريد الثلاثية مع كل من المغرب وموريتانيا في نوفمبر 1975، والتي باع من خلالها «حقوق احتلال الاقليم « لهما قبل أن تستأثر به المملكة المغربية، وقد اتضح فيما بعد أن تنازل إسبانيا عن الصحراء الغربية التي تقرّ كلّ اللوائح الأممية أنها محتلة ومعنية بحق تقرير المصير، كان مقابل إشراكها في سرقة ثرواتها تحت مسمى استغلال مناجم فوسفات بوكراع، وبقاء أسطول صيدها البحري في المياه الإقليمية الصحراوية، وضمان قاعدتين عسكريتين قبالة جزر الكناري.
الذكرى 45 لميلاد الجمهورية الصحراوية تضعنا، اليوم، أمام المسيرة الشاقة التي قطعتها القضية الصحراوية والتضحيات الجسام التي قدّمها الشعب الصحراوي على مذبح الحرية، منذ بداية الكفاح المسلح الذي أرغم الاحتلال على الرضوخ للأمر الواقع وقبول العملية السلمية التي أقرتها الأمم المتحدة سنة 198، ثم الالتزام بوقف اطلاق النار في 1991، وصولا الى مرحلة اللاحرب واللاسلم التي وإن كان الصحراويون قد حققوا فيها الكثير من الانجازات والمكاسب على المستوى القاري والعالمي، إلاّ أنها للأسف الشديد سرقت الكثير من الوقت الذي حاول الاحتلال وزبانيته استغلاله لفرض طرحهم الاستعماري الأحادي الذي لم ولن يقبل به أحد من أشراف العالم، فإلى غاية الآن لا أحد يقرّ للمغرب بمزاعم السيادة على الإقليم الصحراوي، ولا حتى الدول التي قبلت بفتح قنصليات عبثية في العيون المحتلة، فهذه الدول ومن منطلق فقرها وحاجاتها المادية تقبل «ببيع « مواقفها حتى للشيطان من أجل جني بعض المال، لهذا لا يمكن للاحتلال المغربي أن يعتبر تأييدها له إنجازا بل على العكس تماما لأن هذه الدول قد تغيّر مواقفها بسهولة لصالح من يدفع أكثر.
يبقى أن نشير إلى أن إعلان ميلاد الجمهورية الصحراوية في 27 فيفري 1976، لم يكن مطلقا حدثا عابرا أو سابقا لأوانه، بل على العكس تماما، إذ استطاعت هذه الجمهورية التي تعتبر من مؤسسي الاتحاد الإفريقي، أن تذلل كل الصعاب وتؤسس لبناء مؤسساتي يحتضن الشعب ويحتوي نضاله السياسي، بعدما احتوت وأطّرت كفاحه المسلح لـ 16 سنة كاملة، ويبدو أنّها اليوم حدّدت طريقها وقررت العودة إلى حمل السلاح، لأنّها تدرك جيّدا بأن الدنيا تؤخذ غلابا، والحقوق المغتصبة تنتزع بالقوّة ولا توهب أبدا.
بعد ما يقارب نصف قرن من الاحتلال، حدّد الصحراويون طريق خلاصهم، والأكيد أن لا إعلان ترامب ولا مظلّة التطبيع وسياسة شراء الذمم، يمكنها أن تناقض الحقيقة التي ظلّت على مرّ التاريخ تؤكّد أن كلّ احتلال الى زوال مهما طال الزمن.