تختلف توجهات بايدن وتتباين أبعاد سياسته الخارجية مع رؤية الرئيس السابق ترامب، ومنذ الأسابيع الأولى لتوليه الحكم، وفي وقت مبكر من دخوله البيت الأبيض، ظهر ذلك التباعد في النهج والخيارات والأولويات، وكان مفاجئا أن تبدأ الولايات المتحدة الأمريكية في مراجعة أوراقها بمنطقة الشرق الأوسط، التي ظلّت طيلة عقدين من الزمن في صدر الاهتمام، حيث يولي بلد العم سام تركيزا بالغ الأهمية عبر تسخير عدد معتبر من المحللين والخبراء المختصين في شؤون هذه المنطقة في ظل تسريب معلومات تتحدث حول مستجدات، تشير إلى أن مجلس الأمن القومي الأمريكي أدخل سلسلة من التعديلات أفضت إلى تقليصه حجم إدارة الشرق الأوسط، وبالموازاة مع ذلك كانت الوكالات التنفيذية الأمريكية، قد شرعت في تقليل عدد العاملين في شؤون الشرق الأوسط.
الظاهر أن بايدن أعاد ترتيب الملفات بشكل مختلف، عما كان يتصوّره العديد من المتتبعين والمهتمين بالشؤون الدولية، وهذا ما جعل الصحافة الأمريكية تتحدث لأول مرة عن رغبة الرئيس الجديد في خفض مكانة منطقة الشرق الأوسط في إستراتجيته، كونه يميل أكثر للرمي بكل ثقل اهتماماته نحو العملاق الصيني المنافس الشرس والعنيد، وكذا روسيا التي عادت بقوة إلى المسرح العالمي، وكما أن أوروبا تعد حليفا استراتيجيا لأمريكا، فإن بايدن يهمه كثيرا استقرار ونمو منطقة الأورو التي تربطه بها تحالفات تقليدية لا يمكن مقاطعتها أو التخلي عنها بسهولة.
إذن في ظلّ هذه التطورات.. هل صحيح أن أمريكا فعلا ستتخلى عن بعض قضايا الشرق الأوسط، حيث لم تصبح بعض الدول ذات أهمية قصوى في أجندة سياستها الخارجية؟.. وهل يمكن رؤية نهج جديد وخارطة سياسية تطوي بؤر صراع اليوم، بعد تسوية العديد من النزاعات وإطفاء لهيب بؤر التوتر في كل من سوريا واليمن واستعادة العراق لاستقراره؟، لكن هذا لا يعني أن المنطقة ستخرج من دائرة الاهتمام بل أن هناك العديد من الدول العربية والإسلامية لن تخرج من ضمن قائمة الأولويات، لكن ما يهم، ما ستكسبه الدول العربية من هذا التغيير وحجم الأثر الإيجابي الذي سيعود عليها خاصة بالنسبة لتلك الدول التي عذبتها الحرب ومزقها العنف، ولعلّ أول وأكبر اختبار لبايدن في هذه المنطقة سيكون طريقة تعاطيه مع القضية الفلسطينية التي ستكشف عن نواياه الحقيقية بعد حروب إستراتجية أرهقت الفلسطينيين آخرها إقلاع قطار التطبيع.. فهل بحوزة بايدن مفاجآت أخرى أم نهاية النفق ستكون بقرار منه؟
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.