يقول الدكتور فارس لونيس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر3، إنّ “الواقع الجزائري أثبت عجز مقاربات وآليات تقليدية في التسيير وصناعة القرار
ويبرر ما ذهب إليه بالقول إنها “تعتمد أساسا الزبونية وإقصاء الكفاءات والمبادرات الشبانية والنخبوية، ما يجعل حجم الفساد يتعاظم ولن يُقضى عليه، إلا بالاستثمار في الكفاءة والمعرفة والعلوم”.
وتماشيا مع تصريحات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون في هذا الشأن، أكّد “لونيس” في حوار مع “الشعب أون لاين” على أهمية تعزيز دور مراكز الدراسات والبحوث، وجعلها عنصرا فعالا وأساسيا في رسم السياسات وتنفيذ البرامج التنموية نحو فكر جزائري جديد، يربط الأكاديمي بعملية صناعة القرارات في مختلف المجالات..
أجرت الحوار: براهمية مسعودة
مراكز الأبحاث فاعل في صنع القرار بالدول المتقدمة
إلى أي مدى يمكن اعتبار مراكز الأبحاث مهمة في صنع القرار؟
تعتبر الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، أحد أهم الفواعل التي يتم الاعتماد عليها في الدول المتقدمة، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا؛ إذ يقوم هذا الفاعل بإعداد الدراسات والبحوث بطريقة موضوعيه وعقلانية، خاصة ما تعلق بالجانب التطبيقي لها، محاولة إيجاد الحلول للمشكلات المجتمعية ومختلف القضايا والأزمات التي تواجه الدول في مختلف المجالات، بما يسهم في رقيها وتطورها.
ويساعد على تجاوز الأزمات الحالية والمتوقعة، باعتبارها حلول واقعية عقلانية للمشكلات الآنية، كما تقدم آليات مستقبلية من خلال القدرة التنبؤية التي تستقيها من خلال الانتقال من الطابع المعياري الوصفي إلى طابعها الإمبريقي التطبيقي؛ وهو الذي يبحث عنه صانع القرار لمواجهة المشكلات والأزمات التي تواجهه…
اهتمام صانع القرار في الدول الغربية والدول المتقدمة بالبحوث العلمية يظهر جليا من خلال الأهمية التي يوليها للباحث العلمي والمتخرج من الجامعات، وخاصة ما تعلق بمتخرجي الدراسات العليا، والاهتمام بجل التخصصات العلمية، سواء كانت علوم دقيقة أو علوم إنسانية، وخاصة هذه الأخيرة التي تلقى تجاهلا وإقصاء من طرف صانع القرار في دول العالم الثالث عامة والدول العربية خاصة.
ومن أمثله ذلك تخصص العلوم السياسية الذي يعتبر على الأقل في الولايات المتحدة الأمريكية تخصصا نخبويا وأحد أهم 10 تخصصات علمية بالجامعات الأمريكية، إذ تشكل الجامعة ومراكز الأبحاث ثقلا مهما في رسم السياسات العامة وصناعة القرارات السلطوية، بالنظر إلى أدوارها التي تقوم بها سواء ما تعلق بتحليل المشكلات، إيجاد الحلول لها، تقويم الحكومات، وصناعة الأجندات السياسية، وفي كثير من الأحيان تعتبر مراكز تفكير بالنسبة للحكومات، وتنشئة وصناعة النخب التي يعتمد عليها النظام والدولة.
كيف ترى العلاقة بين الجامعة والسلطة سابقا؟
واقع الجزائر متردي؛ كان نتاج تراكمات تاريخية، وخاصّة ما تعلق بحجم الفساد الذي خلفته السلطة السابقة، لم يكن ليحدث لو تمت الاستعانة بالخبرات البحثية والإنتاجات العلمية للباحثين والأساتذة يوميا من خلال مقالاتهم وأبحاثهم والملتقيات التي يتم عقدها في الجامعات والتوصيات العملية التي تخرج بها، واحتكاك الباحثين الجزائريين بالأجانب واستخلاص تجارب النجاح منهم..
وقد تم تناول جل الظواهر والمشكلات في مختلف التخصصات والمجالات، مع تحليلها والكشف عن مسبباتها وسبل تجاوزها، ناهيك عن الدراسات الإستشرافية التي تحاول التنبؤ بالظواهر وآليات الحد منها سياسيا واقتصاديا واجتماعيات وثقافيا.. إلا أن كل هذه الاجتهادات البحثية والعلمية الرامية لخدمة الدولة والمجتمع، لا تعدو أن تكون مجرد كتابات واجتهادات ومحاضرات، بالنظر إلى التجاهل والإقصاء المتعمد من طرف صانع القرار، الذي كان يرى في البحث العلمي مهددا لوجوده، في الوقت الذي كان يمكن اعتباره شريكا ومقوّما لقراراته وإرساء الديمقراطية.
الحديث عن دور الجامعات ومراكز الأبحاث، لا يرتبط فقط بزيادة عدد المتخرّجين سنويا، بل يرتبط ارتباطا وثيقا بمدى قدرة الدولة على التوفيق بين نوعية المتخرجين وأعدادهم ومتطلبات سوق العمل، وهو الأمر الذي يتم العمل به في النظم الغربية؛ إذ ترى في المتخرج الجامعي فاعلا في مجاله وقوة إنتاجيه وجب استغلالها وتوجيهها نحو ما يتطلبه السوق التشغيلية واعتباره محركا للاقتصاد الوطني، وهذا ما لن يتم إلا من خلال التخطيط الجيّد للمورد البشري والنخبة في مختلف المجالات عن طريق الإدارة الإستراتيجية، والتخطيط الاستراتيجي للعملية التعليمية والتكوينية في الجامعات، بما يتناسب والرؤية الاقتصادية للدولة.
عوامل تفعيل دور الجامعة
إذا ما هي عوامل تعزيز دور الجامعة الجزائرية كأساس في صناعة القرار والتنمية؟
إن الحديث اليوم عن إشراك النخب الجامعية والشباب وإعادة ربط الجامعات ومراكز الأبحاث بصناعة القرار والتنمية في الجزائر ذو أهمية بالغة، بالنظر إلى الواقع الذي أثبت عجز المقاربات والآليات التقليدية، سواء في التسيير أو صناعة القرار، لانها كانت تعتمد بالأساس على الزبونية وإقصاء الكفاءات وأي مبادرة شبابية ونخبوية في كل المجالات.
وهو ما كرّس مبدأ خدمة المصالح الضيقة على حساب خدمة الصالح العام، وخدمه الدولة والمجتمع، ما خلّف حجم فساد كبير ومتعاظم، لن يتم القضاء عليه إلا من خلال التوجه نحو الكفاءة والمعرفة والعلوم، كفاعل أساسي في إعادة بناء منظومة صناعة القرار من خلال:
-استقلالية أكبر للجامعات.
– إنشاء مراكز أبحاث فعلية في مختلف التخصصات العلمية.
– دمقرطة الجامعة والشفافية في القرارات.
– زيادة ميزانية البحث العلمي وضرورة الرقابة.
– الاهتمام بالمتخرجين الجامعيين واعتبارهم قوة إنتاجية.
-تشجيع البحوث العلمية.
– الابتعاد عن الوصاية العلمية والتضييق على الباحث العلمي تفعيل الرقابة على المسؤول الإداري، بالنظر إلى حجم التسلط الذي يقوم به ومحاربة حالة التسيب الذي تشهده الجامعة الجزائرية.
-الحق في الترشح للمناصب العليا في الجامعات.
-تفعيل الرقمنة واستخدام التكنولوجيات الحديثة.
-فتح المجال للأساتذة والباحثين من عقد الشراكات والتكوين والتربصات في الجامعات العالمية وتدخل الدولة لعقد الشراكات الجادة معها.
– تحسين الوضعية المادية والمعنويه للباحث والأستاذ.
هذه العوامل قد تساهم في تفعيل الجامعة وإعطائها دورا حقيقيا وفاعلا في تحقيق التقدم والتطور وتكوين كفاءات وفكر بناء، كما ستحقق التنمية وتعزز المواطنة وزيادة الانتماء والولاء.