تتبّعت “الشعب أونلاين” قصص مستشارين وخبراء جزائريين يعملون لحساب منظمات أجنبية والاتحاد الأوروبي، في الحجر الصحي وما بعده، وتنقل لكم ما لا يصدق عن “اغنياء” لكنهم فقراء. تابعوا..
“م.م.ع” واحد من الخبراء الجزائريين الذين يعلمون لحساب مشاريع تنموية يدعمها الاتحاد الأوربي بشكل مباشر أو غير مباشر في الجزائر، يعاني مثل خبراء آخرين، في الحصول على مقابله المادي.
قصة بعض هؤلاء محزنة، فيها ما يدعو للتعجب، فيها أيضا ما يدعو للرأفة بفئة عبقرية، و”لاباس بيها ماديا”، مثلما يقولون، أجبرتها الظروف والحجر الصحي، ومنع الرحلات الجوية والبحرية نحو الخارج، على الدخول في دوامة “السلف”، ومد اليد لآخرين، حتى يحين وقت الفرج، ويطيرون نحو بلدان أوربية او بلد جار لاستخراج الأورو المكدس في حساباتهم البنكية.
مأزق الخروج..
يروي “م.م.ع” بأسف ما يحصل لخبراء وعقول جزائرية تستعين بها منظمات غير حكومية وفروع للاتحاد الأوروبي متخصصة في دعم التنمية.
أحدهم لم يخرج من الجزائر، وهو خبير وطني في الطاقات المتجددة، عمل لحساب منظمات داعمة لمشاريع التنمية، بمقابل يفوق 1000 أورو لليوم الواحد، ولمدة شهر ونصف الشهر، لكن الحجر الصحي وما تلاه من توقيف الرحلات الجوية الدولية، منعه من التنقل الى إسبانيا للحصول على رزقه من الأورو، الذي تكدس في حسابه البنكي، في وقت لا يجد صاحبه ما يسد حاجياته اليومية والعائلية.
لجأ هذا الخبير الى الاستلاف من آخرين، في انتظار اول فرصة يطير فيها الى مدريد ويسحب ما في حسابه، على أمل تحويله الى دينار في “السكوار” بالجزائر العاصمة، لأنه يحلف بأغلظ الأيمان أنه لن يصرف الأورو في البنوك العمومية، التي لا تعطي البائع ما يمكنه الحصول عليه في “ساحة الصرف الحقيقة”، أي “السكوار”.
مفاوضات وتقييمات
بعض الخبراء يتفاوضون في التقييمات والخبرات التي ينجزونها في اطار دعم التنمية ببرامجها المختلفة، القطاعية، وتلك المصنفة “كابدال”، وغيرها من المصنف في باب التعاون الجمعياتي، على مقابل مادي مغر بالنسبة لكثير من الجزائريين، الذين يحلمون بربع المبلغ او ثلثه على الأكثر.
المثال خبير وطني يكون أجره اليومي –حسب الاتفاق- ما يعادل عشرون مليون سنتين لليوم الواحد، ما يعني 600 مليون للشهر الواحد، وفي حالة ما إذا عمل في المشروع المدعوم أكثر من ثلاثة أشهر، فلكم ان تتصوروا كم سيبلغ مدخول عقل جزائري، من الخبرة والإستشارة التي ينجزها في اطار التعاون مع شريك أجنبي في التنمية.
من 100 الى 1500 أورو
عادة المستشارون في التنمية وخبراءها ينجزون الأعمال المتفق عليها بمقابل يبدأ من عداد 100 أورو لليوم الواحد، الى 1200 و1500 أورو لليوم الواحد من الاستشارة، علما ان الرقمين الأخيرين نادرا ما يجري التفاوض عليهما بين خبراء جزائريين ومنظمات واتحادات دولية في التنمية، وغالبا ما يتوقف التفاوض عند عتبة الألف أورو يوميا.
في الإستشارة الدولية بالعداد المعمول به لدى خبراء جزائريين، منقسمين على فئتين، المستشار “جونيور” و”سينيور”، يعمل المستشار من الفئة الاولى بمقابل يتراوح بين 100 و700 الى 800 أورو، وتشتغل الفئة الثانية على تسعيرة أعلى تنطلق من 200 الى 1500 أورو، في الغالب.
معاناة
مصدر “الشعب أونلاين” تنقل كثيرا بين الولايات وعمل في مشاريع كثيرة ومتنوعة، ويعرف عدد كبيرا من المستشارين والخبراء، الذين عملوا معه في مشاريع مشتركة، ويعرف مدى معاناة بعضهم، وهم “عمال موسميون”، في مكان ما، لانهم “فريلانس”، لا يشتغلون طوال السنة.
بعضهم يجد صعوبة في تلبية طلبات البيت، بعدما نضبت موارده المالية ولجأ الى الاستلاف من الغير، طيلة عام الحجر الصحي الذي وقع تحت طائلة ممنوعاته في التنقل الى الخارج، وحسابه البنكي موجود في باريس.
آخر حسابه البنكي موطن في روما، ولديه ثلاثة أولاد، لم يتنقل الى عاصمة إيطاليا منذ سنتين، لأسباب خاصة، ولولا ما يصله من مستثمرة أخيه الفلاحية “لمات من الشر”، مثلما يقال، رغم أن حسابه البنكي يكتنز ما لا يقل عن مليارين بحساب السنتيم، وهو مقابل لما هو موجود من الأورو، بحساب سعر الصرف في “السكوار” طبعا.
مستشارون “حراقة”..
فئة خاصة من هؤلاء المستشارين لم يجدوا بدا من التحول الى “حراقة”، وغامروا بقطع الحدود الشرقية “المغلقة” بسبب كوفيد-19 والإحترازات الصحية، بعدما طلبوا تحويل اموالهم على تونس، في حسابات يفتحونها في 24 ساعة بعاصمة هذا البلد الجار، وينتظرون التحويل بعيون جربت قصر اليد وقلة الحيلة عندما يتذكرون انهم بقوا شهورا من دون مدخول، رغم أنه موجود، لكن ليس بالعملة الوطنية..
هذا وجه من وجوه معاناة فئة عايشت الفقر على طريقتها وأحست بالعوز وهي غنية..