خطوة عملاقة تخطوها ليبيا اليوم نحو توديع أزمتها وتجاوز انقساماتها ولملمة جراح شعبها الذي ظلّ منذ 2011 محاصرا بعنف وغارقا في حروب فرضتها عليه التدخلات الخارجية التي كانت سببا في إجهاض التغيير المنشود، وإشعال عود الثقاب الذي أحرق آمال الليبيين في تحقيق انتقال ديمقراطي سلمي وجرّهم إلى اقتتال داخلي لم يحمل غير الويلات والمآسي.
صفحة جديدة يكتبها الليبيون اليوم، عنوانها تزكية البرلمان لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة التي يقودها عبد الحميد الدبيبة والتي تمخضت عن أشهر من الاجتماعات والمفاوضات لتحل محل الإدارات المتعاقبة، التي فشلت في إنهاء العنف الذي غرقت فيه البلاد منذ عقد كامل، وعجزت عن منع مرتزقة الحروب ولصوص الثروات من ضرب وحدة ليبيا وتمزيق أوصال شعبها وأرضها بسكاكينها السامة.
الحدث الذي تصنعه ليبيا تاريخي، لأنه يشكّل انعطافة حقيقية نحو توحيد المؤسسات والمناصب السيادية التي عبث باستقرارها فرقاء الداخل بإيعاز ودفع من جهات خارجية خبيثة، كمقدمة لتنظيم انتخابات عامة في 24 ديسمبر القادم، والعمل على رأب الصدع وإقرار المصالحة التي تعتبر المفتاح الحقيقي لحلّ الأزمة في الجارة الشرقية.
ورغم المؤشرات الإيجابية التي تبعثها مستجدّات الوضع في ليبيا، خاصّة بعد أن سكتت أصوات البنادق منذ أشهر، ووافق الإخوة الأعداء على الانخراط في العملية السياسية السلمية، فالقول بأن طريق الحكومة الجديدة مفروشة بالورود، أمر مبالغ فيه بل ومجانب للحقيقة، لأن مهمّة الدبيبة تعترضها العديد من التحديات، لعلّ أهمّها هو تثبيت وقف القتال، وتوحيد الجيش والمؤسسات الأمنية، ثمّ إخراج المرتزقة، وهذه النقطة بالذات تتطلّب تدخّلا وصرامة أممية لإرغام الدول التي أرسلت مقاتلين إلى ليبيا للإسراع بسحبهم. ودون تحقيق هذا الأمر، لا يمكننا إلا أن نتوقع انتكاسة أمنية قريبة.
الليبيون وبعد عشر سنوات من سياسة جلد الذات، تأكّدوا من فشل الخيار العسكري. وأمامهم اليوم فرصة الخروج من النفق المظلم، فقط يكفيهم أن يضعوا خلافاتهم واختلافاتهم جانبا، ويعيدوا لملمة شتات وحدتهم بعيدا عن الارتهان للخارج، ليعملوا يدا واحدة من أجل إعادة بناء ليبيا الجديدة التي تسع جميع أبنائها.
ورغم صعوبة المهمة، فالشيء المؤكد، هو أن الشعب الليبي وضع قدمه على الطريق الصحيح التي ستمضي به إلى برّ الأمان.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.