مازالت الأزمة السياسية والاقتصادية تعصف بلبنان، في وقت يستمر فيه الغضب الشّعبي بسبب طول عمر الأزمة التي توجد في منعرج حسّاس مثل قنبلة موقوتة تهدّد بالانفجار في أي وقت. حل الأزمة يحتاج إلى تحرّك سريع لإبعاد الأخطار التي تحدق ببلد الأرز، علما أنّ هذه المستجدّات تسجّل بعد فشل مبادرات سابقة من بينها الفرنسية، التي تعذّر تجسيدها، وتبددت معها مساعي الإصلاح المالي والاقتصادي، وإن كانت الأزمة في ظاهرها تبدو اقتصادية بحتة لكن في الأصل سياسية مدفوعة بتفاقم الخلافات حول تشكيل الحكومة بين القوى السياسية المسندة لها مهمة إحداث الانفراج ووقف السير في طريق مسدود.
تحاصر لبنان تهديدات اقتصادية خطيرة، تعمّقت منذ أحداث انفجار مرفأ بيروت الصيف الماضي، وبدأت تلوح بوادرها منذ تراجع احتياطي الصرف بالعملة الصعبة منذ عام 2019، وبعد أن باشر مصرف لبنان المركزي برفع الدعم تدريجيًا عن المواد الغذائية، ومرشح أن تطال كل من الدواء والمحروقات، بلغ «السيل الزبى»، وباتت الأفق في نظر اللبنانيين قاتمة ومستقبلهم مخيف، فاستشاطوا غضبا وتبنوا خيار الاحتجاج والخروج إلى الشارع لإرغام المسؤولين على مستوى الطبقة السياسية لاستدراك ما يمكن إنقاذه. وينظر إلى الهبة الشعبية المحذّرة، أحد الخيارات والأوراق الضاغطة التي قد تقنع القوى السياسية وتدفعهم إلى تقديم تنازلات تفضي إلى تشكيل حكومة إصلاح وطني تتوافق عليها جميع الأطراف، وتكون عند حسن ظن اللبنانيين بمباشرة عمل جدي يخرج لبنان من عنق الزجاجة.
توجد دعوات ترافع من أجل عقد مؤتمر وطني أو تأسيسي جديد يرسم معالم طريق واضحة، لكن هناك عقبات معرقلة لهذا الطرح ويتطلب ذلك بذل المزيد من الجهود وتكثيف الاتصالات، وتقاطع قناعات مختلف الفاعلين، لأن حلحلة الأزمة بيد الطبقة السياسية، ولعل الضغط الشعبي بعد المعاناة الاقتصادية التي خلّفت أثرا سلبيا على القدرة الشرائية في لبنان، سيعجل من تبني المقاربة الصحيحة وفق خطة إنقاذ مالية واقتصادية، وتجاوز الفرقاء السياسيين لخلافاتهم، لأن لبنان لن يسترجع أنفاسه من دون إرادة سياسية والتعجيل بالإصلاح الذي لن يقبل المزيد من التأخير.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.