لا شكّ أنّ التّطوّرات السياسية التي تشهدها ليبيا تكتسي أهمية بالغة كونها تضع هذه الدولة الشقيقة التي دخلت متاهة الفوضى الأمنية والإحتراب الداخلي قبل عقد من الزمن، على سكّة التسوية السّلمية التي تمخّضت عن جلسات حوار رعتها الأمم المتحدة، وتوّجت هذه المرّة بتوافق الفرقاء على حلحلة الأزمة وتجاوز خلافاتهم واختلافاتهم، ووقف سياسة جلد الذات لأجل بلوغ برّ الامان.
لقد برهنت عملية الحوار السياسي الليبي بما حقّقته من نتائج هامة، بداية بتشكيل مجلس رئاسي جديد وحكومة وحدة وطنية، وأيضا بتحديد موعد رسمي للانتخابات العامة، أنّ الطريقَ التي تقود إلى الاستقرار والسّلام في المتناول، وأنّ خيار المواجهة المسلّحة لا يؤدي إلاّ إلى مزيد من المآسي والآلام.
الحوار الليبي الذي حقّق في أشهر قليلة ما عجزت اجتماعات ومؤتمرات عن تحقيقه خلال عشر سنوات، نجح في إسكات صوت السّلاح، وهذه أوّل خطوة وأهمّها نحو عودة الاستقرار التي يأمل الجميع بأن لا تعترضها أية عراقيل من عناصر داخلية أوجِهات خارجية معروفة، أو مصالح متنافسة على الثروة والنفوذ.
ما يحدث في ليبيا من تطورات إيجابية يبعث السرور في الأنفس، لكنه في المقابل لا ينفي حقيقة أن هناك تحدّيات عديدة وإشكاليات موروثة تصعّب من عمل القيادة الانتقالية، وعلى رأسها رئيس الجهاز التنفيذي عبد الحميد الدبيبة، الذي يجد نفسه في مواجهة العناصر المتحكمة في مسارات الواقع الليبي منذ سنوات لإقناعها بالانخراط في العملية السياسية أو على الأقل عدم عرقلتها، ثم هناك مسألتان شديدتا الارتباط بعضهما ببعض: الأولى محلية، وتخصّ وجود الجماعات المسلحة وانتشارها في كل أنحاء البلاد، والأخرى خارجية، وتتعلق بالقواعد العسكرية الأجنبية وبآلاف المرتزقة الموجودين غرباً وشرقاّ وجنوباً.
لهذا تبرز مسألة إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية كأصعب مهمّة تنتظر الحكومة الليبية الجديدة، بالإضافة إلى إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل والتي لا تبدو مهلتها
كافية بالنظر إلى عدة إشكاليات مطروحة، أهمها تنظيم الاستفتاء على مسودة الدستور، والتي لم يصادق عليها مجلس النواب بعد، كما أن مجلس النواب لم يصدر بعد قانون الانتخابات، الذي على أساسه تجرى الاستحقاقات.
ومن المهام الصّعبة الأخرى التي تنتظر حكومة الدبيبة، توحيد المؤسسات، خاصة السيادية مثل البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، وأيضا التأسيس للمصالحة ورأب الصّدع الذي زلزل أركان المجتمع الليبي، ثمّ توحيد الجيش، فليبيا تعاني منذ 2011، صعوبات في إعادة بناء جيش نظامي محترف، بسبب انتشار السلاح، والمليشيات غير المنضبطة، وأزّم الوضع إطلاق حفتر «عملية الكرامة»، حيث تسبب بتقسيم الجيش الوليد، وانضمت إليه العديد من المليشيات.
بالتأكيد لن تجد الحكومة الليبية الجديدة الطريق أمامها مفروشة بالورود، بل ستواجه تركة كبيرة متراكمة من المشكلات والمصاعب، ما يتطلّب إرادة داخلية كبيرة وتعاونا خارجيا خاصة من بلدان الجوار كالجزائر لإيصال قطار السلام إلى محطّته النهائية حيث السلام والاستقرار.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.