قبل أزيد من 76 سنة، تعالت أصوات عربية تدعو إلى ضرورة أن يكون هناك كيان موحّد يضم الدول العربية تحت عباءته لينسق مصالحهم المشتركة ويدعمهم ويحميهم من التفتت.
في 22 مارس من عام 1945 تحقّق الحلم، وتأسّست الجامعة العربية التي اتّخذت من العاصمة المصرية مقراّ لها، بمهمة أساسية هي التنسيق بين أعضائها في الشؤون السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية وغيرها، وصيانة استقلال بلدانها وسيادتها، والحفاظ على مصالحها المشتركة والتوسّط في حل النزاعات التي تنشب بين الدول الأعضاء أو بين هذه الأخيرة وأطراف ثالثة.
اليوم وهذه المنظمة الإقليمية تقترب من عقدها الثامن، يحقّ لنا ونحن نستحضر ذكرى ميلادها الذي مرّ الأسبوع الماضي في صمت رهيب، أن نقف عند مسيرتها الطّويلة، لنتساءل هل استطاعت أن تحقّق الأهداف التي حدّدها ميثاقها التّأسيسي، أم أنّها أخفقت في ذلك؟
لن نجانب الصّواب بكلّ تأكيد، لو قلنا بأنّ واقع الحاضنة العربية أصبح بعيدا كلّ البعد عن ذلك الحماس والرغبة الجامحة التي سكنت أفئدة الشعوب العربية لتشكيل كيان يوثّق الصلات ويحقّق التعاون والتكامل، فالبيت العربي بات ضيّقا بخلافات أعضائه، منكسرا بفعل تشرذم وتفتّت وحدة بلدانه، حتى أنّ واقعه لم يعد يوفر الغرض من وجوده، ليصل البعض إلى التسليم بانتهاء صلاحيته كحاضنة توحّد العرب، وبلغ الأمر ببعض المتشائمين للقول بأنّ التكتل الإقليمي العربي في حالة احتضار حقيقي، وهو أشبه بالغربال الذي لا يجمع ماء.
وتجلّى إخفاق الجامعة العربية وعجزها عن تحقيق تطلّعات الشعوب العربية بالخصوص خلال عشرية « الربيع الدموي «، الذي أرخى بظلاله الداكنة على عملها بعد أن شقّت الخلافات صف بلدانها التي انزلق بعضها إلى حروب مدمّرة دون أن تقوى على فعل شيء لوقف إراقة الدماء.
لقد مرّت العلاقات العربية – العربية في العقد الأخير بالكثير من الأحداث التي نسفت وحدة بلدان المنطقة وحشرتها في مربّع الانقسامات والخلافات ودفعت في بعض الأحيان إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، حيث فشلت المنظمة العربية الإقليمية في حلّ الأزمة التي هزّت البيت الخليجي في2017، كما أخفقت في التقريب بين فرقاء ليبيا التي تحوّلت إلى مسرح حرب، وعجزت أيضا عن حل الصراع السوري الذي دمّر الدولة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اليمن، ما يدل على أنّ الجامعة العربية لم يعد بمقدورها المسك بزمام الأمور حتى باتت الدول العربية المتأزّمة تبحث عن حلول لقضاياها لدى بلدان هي بالأساس من يصنع مآسيها.
كما تشكّل مؤشّرات انخفاض التمثيل الرسمي للقادة العرب في السنوات الأخيرة أثناء انعقاد مؤتمرات القمة لمجلس الجامعة العربية السنوي، فضلا عن مقاطعة بعض الزعماء لها، بوادر أزمة تواجهها الحاضنة العربية، ممّا يشي بأن إعادة هيكلة هذه المنظمة أضحت أمرا حتميا لإعادة زخمها بما يتلاءم مع الوضع الصعب الذي يعيشه الوطن العربي على كلّ الأصعدة.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.