تعيش دولة موزمبيق، الواقعة جنوب شرق أفريقيا منذ أسبوع، تحت وقع هجمات إرهابية تستهدف مدينة بالما التي تبعد بنحو 10 كلم عن مشروع غاز ضخم تديره مجموعة «توتال» الفرنسية.
الهجوم تبناه تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي أعلن السيطرة على المدينة الساحلية الواقعة في شمال البلاد بعد أن ارتكب مذابح مروّعة خلّفت العديد من القتلى من السكان ومن العمال الأجانب، ودفعت بالكثيرين إلى الفرار بحرا وسيرا على الأقدام بحثا عن ملاذ آمن.
الهجوم الدموي على بالما، ليس الأوّل في موزمبيق التي يبدو بأنّها وقعت في مصيدة الإرهابيين المنهمكين في تجنيد الشباب واختراق الحدود وتوسيع جغرافية نشاطهم الذي كنّا نعتقد بأنّه محصور في الساحل الإفريقي، فإذا به يتمدّد إلى الجنوب الشرقي من القارة السمراء .
هكذا إذن، وفي خضم انشغال العالم بالحرب على المجموعات الدموية بمنطقة الساحل وغرب إفريقيا، برز منذ 2017 فرع جديد لتنظيم «داعش» الارهابي في موزمبيق وانتشر أيضا في الكونغو الديمقراطية وبات يهدد حتى تنزانيا، ويتميّز نشاط هذا التنظيم بالعنف والدموية، إذ ارتكب مجزرة «استعراضية» مروّعة في نوفمبر الماضي، تعد الأخطر من نوعها في موزمبيق، عندما ذبح 50 مدنيا في ملعب قرية «مواتيد» بشمال البلاد.
كما سيطر على ميناء «موكيمبوا دا برايا» الرئيسي والغني بالغاز الطبيعي في 12 أوت الماضي، وعلى العديد من المناطق الساحلية الإستراتيجية، دون أن تقوى السلطات على استعادتها بالرّغم من الدّعم العسكري الذي تتلقاه من عدّة دول وفي مقدّمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
لا يبدو تمدّد «داعش» الإرهابي إلى موزمبيق اعتباطيا، بل هو أمر مقصود يخفي وراءه العديد من الأهداف ويدخل ضمن لعبة المصالح والاستئثار بالثروات الهامة التي يزخر بها باطن هذه الدولة المصنفة أمميا ضمن أفقر 10 دول في العالم، ومعلوم أن الإرهاب لا يستهدف إلا البلدان التي تزخر بالموارد الثمينة، فحيث النفط والغاز والمعادن يحطّ الدمويون رحالهم ومن ورائهم لصوص الثروات.
موزمبيق اكتشفت في 2009 أحد أكبر مناجم الياقوت في العالم، كما تصل احتياطاتها من الغاز الطبيعي إلى 150 تريليون قدم مكعّب، ما يعادل 24 مليار برميل من النفط، وهو ما يجعلها تتأهّب لتكون المسرح العالمي للطاقة العالمية.
ما تعيشه موزمبيق من تردّي أمني يعكس بوضوح المعاناة التي تعيشها إفريقيا مع الإرهاب في غفلة عن العالم المشغول بمحاربة كورونا، كما تعكس بأن لامبالاة الدول الكبرى وإحجامها عن الانخراط في مكافحة هذه الظاهرة اللعينة، هو ما يجعل بعض دول القارة تفكّر في مراجعة الخيار العسكري وتبني الحوار والتفاوض مع الدمويين.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.