الشاي عادة لصيقة بيوميات سكان ورقلة، لهذا يبدع فيه الكثير من أبناء المنطقة، الذين نشئوا وتربوا على مذاق الشاي الورقلي الأصيل، الذي لا يكاد يفارق طاولة طعام بل ويعتبره الكثيرون هنا سيد كل الجلسات.
يعتمد إعداد الشاي الأخضر على ورق الشاي الأخضر والنعناع والسكر، إلا أن الاحترافية في تحضيره، تختلف من فرد لآخر.
وهي ترتبط أساسا بالمقادير المعدة وطريقة الطهي والخلط بعد الطهي الذي يُحرص فيه على تقديم الشاي بصورة أكثر جذبا للرائي.
يحرص في البيوت الورقلية على الاحتفاظ بأواني الشاي خارج المطبخ ومنع اختلاطها بروائح الطبخ والزيوت المختلفة، إضافة إلى تنظيفها جيدا للتخلص من أي رواسب.
ولأن الشاي مازال “سيد القعدة” كما يفضل الكثير أن يطلق عليه هذا الوصف، يبقى الطلب عليه قائما في الجلسات العائلية وحتى التجمعات خارجها.
وقد دفع هذا التمسك الكبير بالشاي الأخضر في الثقافة المحلية بالكثير إلى التفكير جديا في الاستثمار فيه، فالملاحظ مع مرور الوقت أن طهي الشاي اتخذ طابعا آخر محليا، إذ أضحى الشاي من بين أكثر المشروبات الساخنة المطلوبة محليا كما يلقى طلبا كبيرا من زوار المدينة أيضا.
يعد نشاط باعة الشاي هنا بورقلة، من بين المظاهر، التي صارت من بين المشاهد الطبيعية المرتبطة ارتباطا وثيقا بخصوصية الشارع المحلي، إذ لا يكاد يخلو شارع من وجود طاولات الشاي التي يتخذ أصحابها من الأرصفة مساحة لممارسة نشاطهم.
ورغم أن انتشار طاولات بيع الشاي كان في بداية الأمر يحمل معه العديد من التساؤلات حول هذا النوع من النشاط، الذي يختلف فيه الكثير من المواطنين، بين مؤيد ومستحسن.
لكنه يلقى تشجيعا كبيرا بالمقابل باعتباره نوعا من التفكير الإيجابي لممارسيه، خاصة وأن بعض ممتهنيه، لجأ إليه سعيا لاستحداث فرصة من أجل توفير مداخيل إضافية لبعض الأسر هنا.
انتعاش تجاري في شوارع ورقلة !
المتجول في الشوارع الرئيسية والأحياء الشعبية وعلى محيط قصر ورقلة العتيق سيلاحظ الانتعاش الكبير الذي يسجله هذا النشاط في عدد من زوايا المدينة.
مهنة بدأ فيها بوعلام محمد أو عمي الريش كما يحب أن يطلق عليه الكثير من معارفه، منذ حوالي 8 سنوات عندما كان لا يزال يعمل موظفا أسس لمشروع ما بعد التقاعد ليشغل نفسه واختار مشروع طاولة للشاي باعتباره أحد المشروبات الساخنة التي تلقى رواجا كبيرا محليا ونظرا للعديد من الفوائد الصحية التي يعرف بها.
ففي الأعراس المحلية، لا يمكن إحياء حفل زفاف دون شاي كما أن شرب الشاي عادة يومية لصيقة بعادات سكان ورقلة، فبعض البيوت لازالت تحافظ على ضرورة إعداد الشاي بعد الغذاء وبعد العصر بشكل متواصل كما يعتمد الكثيرون عليه بدرجة أكثر من القهوة في المشروبات الساخنة بالمنطقة وكما يقول عمي الريش “التاي يزهي القعدة”.
ويرتكز هذا النشاط على توفير نوعية ورق شاي أخضر، من المهم أن تكون ذات جودة رفيعة بالإضافة إلى ورق نعناع أصلي من محاصيل الحقول المحلية التي تتميز بنوعية أوراقها الخضراء التي تساعد على تقديم مذاق مقبول.
وتختلف طلبات المارة بين من يطلب كأس للشاي وآخر يطلب قارورة لنقله معه، خاصة بالنسبة للعمال في الورشات البعيدة كما أن الكثير أصبح زبونا يوميا لهذه الطاولات وعدد المقبلين عليها في تزايد واضح.
ورغم أن للشاي سمة مرتبطة بالصحراء الجزائرية إلا أن التفنن في تحضير الشاي ودرجة تركيزه يختلف من منطقة لأخرى في الصحراء الجزائرية وإلى جانب الشاي يلجأ البعض إلى تقديم بعض المكسرات كالكاوكاو الذي يتماشى كثيرا مع هذا المشروب الساخن بالإضافة إلى البيض المغلي الذي يلقى الطلب عليه كفطور صباحي للعمال والعديد من الإضافات الأخرى التي أضحت تزين هذه الطاولات كعنصر للجذب ولتحصيل مداخيل إضافية.
يقول عمي “الريش” أن كل ما يتطلبه هذا النوع من النشاط هو تحضير الصينية و2 براد تاي، كؤوس للشاي قارورة غاز صغيرة خاضعة للرقابة القبلية أو الحطب في الشتاء، مشيرا إلى أن للشاي على الحطب مذاق خاص جدا يستهوي كل من سبق له تجربته.
وعن العائدات المادية لهذه المهنة قال أن الكثير من المصاريف اليومية تغطيها هذه المهنة من مستلزمات البيت كما تقدم مدخولا جيدا ومقبولا لممتهنها بشكل جدي.
ونفس الأجواء التي تصنعها المقاهي تحاط بطاولات الشاي، حيث يتجمع حولها الكثير من الأصدقاء لتبادل أطراف الحديث حول القضايا العامة التي تشغلهم كمواطنين محليا أو وطنيا.
ويأمل عمي “الريش” أن تأخذ الجهات المعنية زمام المبادرة، من أجل إنعاش هذا النوع من النشاط محليا الذي تجاوز مجرد تحصيل مداخيل إضافية من طرف الناشطين فيه، إلى الترويج السياحي للمنطقة، حيث أن الشاي أضحى رمزا من رموز الأصالة الذي اتخذ توجها اقتصاديا ينتظر العمل على تطويره من خلال إتاحة الفرصة للراغبين في الاستثمار فيه في إنشاء صالونات للشاي الورقلي الأصيل كالمقاهي تجمع بين المتقاعدين وحتى المثقفين والشباب.
3 ملايين سنتيم لـ”طاولة شاي”
أما إبراهيم دغة وهو شاب، يمارس المهنة منذ 10 سنوات، متزوج ورب عائلة يتخذها كمهنة إضافية يمارسها بعد ساعات العمل وهواية فضل تطويرها، يعتبر أن أهم ركائز هذه المهنة هو توفر شرط النظافة.
طريقة إعداد الشاي تكون بغسل ورق الشاي الأخضر جيدا بالماء الساخن حتى التأكد من نقاوتها وبإضافة ماء ساخن لها توضع على نار هادئة حتى يصل مذاق الشاي إلى درجة التركيز المطلوبة كما يلعب لونه دورا كبيرا في الوصول إلى المذاق المثالي، حيث من المهم أن يكون اللون صافيا كالعسل وهو ما يتطلب عناية خاصة في اختيار نوعية زريعة الشاي والنعناع الجيد والذي يكون في الغالب على حسب الرغبة.
التفنن في تقديم الشاي الصحراوي تطبعه في الغالب سمة الرغوة -يقول محدثنا- والتي تكون من بين عناصر الجذب التي تشد الزبون وتلعب طريقة تخلاط الشاي دورا بارزا في إضفاء هذه اللمسة كما يشير البعض إلى أن أواني الشاي لابد أن تكون بعيدة عن الزيت أو الدهن ورائحة العطور التي لا تساعد على خلط الشاي وإعداد الرغوة بالشكل المراد.
توفير نحو 3 ملايين سنتيم كفيلة بتمكين الراغبين في تأسيس مشروع كما أكد لنا إبراهيم دغة صاحب طاولة للشاي، فتوفر الوسائل المتمثلة في الغلايات، قارورة الغاز وطاولة حديد من صنع اللحام بالإضافة إلى مستلزمات تحضير الشاي لن تكلف مجتمعة مبلغا أكبر من هذا.
خاصة أن هذه المهنة، أضحت تجد إقبالا كبيرا من العمال في الورشات الذين يتنقلون خلال ساعات الصباح الأولى قبل أفراد العائلة أو الذين يتواجدون في المنطقة للعمل دون عائلاتهم، حيث يجدون في هذه الطاولات ملاذا للفطور الصباحي.
تجد هذه الطاولات إقبالا أكبر بعد العصر، حيث تسجل هذه الفترة توافدا كبيرا على طلب الشاي سواء من قبل الرجال أو حتى النساء وذلك نظرا لتغير طبيعة المجتمعات التي لم تعد لمة أفراد العائلة والجيران والأقارب فيها أكثر حضورا كما كان في السابق، حيث كانت هذه الجلسات تحمل الكثير من الحكايات والعبر والحكم ومن خلال الأمثال الشعبية المتوارثة التي تحضر بقوة في قوالب قصصية والتي تكون خلال فترة ما بعد العصر وما بعد المغرب لدى البعض.
ويرى المتحدث أن ما يرجوه الشباب من باعة طاولات الشاي الالتفات لهذه المهنة وتطويرها، خاصة وأن مشروب الشاي يحظى بشعبية كبيرة، حيث لا يفارق البيوت الورقلية كما تدعم حضوره طاولات الشاي التي أصبحت في تزايد ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، إذ يجد السياح سواء من داخل الوطن أو حتى الأجانب متعة خاصة في تذوق الشاي الورقلي الذي يبلغ الطلب عليه معدلات متزايدة من زوار المدينة.