هناك في الجزائر، اليوم، أكثر من أي وقت مضى، حاجة إلى الاهتمام بموضوع الرقمية بين الأجيال المختلفة، خاصة انه حتى إلى يومنا هذا لم يحدث أن أعدت فيه دراسة أو مقاربات أو تحقيقات هادفة.
نعتقد ان التعامل مع هذا الموضوع بما يستحقه من اهتمام قد يعطي رؤى أكثر اتجاه بعض القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ذات الأولوية، بما في ذلك إصلاح البرامج البيداغوجية المدرسية والجامعية والتكوينية، والحوكمة الاقتصادية وتسيير النظم المعلوماتية، فضلا عن الخطاب الاجتماعي والسياسي الموجه الى مختلف هذه الأجيال.
اعداد : زهير مزيان- خبير في الاتصال ونظم المعلوماتية
يسود الاعتقاد في بعض الأوساط وفي الأحاديث والمناقشات والكتابات وحتى بعض الدراسات انه يستحيل للكبار والآباء والأمهات أن يكونوا على قدم المساواة مع مستويات الأجيال المسماة الرقمية من حيث التمكن من استخدام الأدوات الرقمية والانترنت ، وأنهم لا يتوفرون على القدرة الاستيعابية للتعامل مع الرقمية بمثل ما هوالأمر عند الصغار والشباب. ويستدل أصحاب هذا الاعتقاد بكون الجيل الذي ولد ونشأ في عصر الرقمية هم بالضرورة أكثر مهارة في المجال الرقمي.ورغم أن بعضنا قد اهتدى إلى تثبيت هذا الاعتقاد وكأن هذه الفوارق قدر مقدور لا يمكن تغييره إلا أن بعض التجارب الميدانية تنفي اليوم هذا الاعتقاد.
كيف تصنف الأجيال بالمقياس الرقمي
يوجد اليوم تصنيف عالمي للأجيال حسب المقياس الرقمي، على أساس ان هناك جيل ولد بعد الحرب العالمية الثانية ويصلح على تسميته ب” بيبي بومرز” ، وجيل” إكس”، وجيل الألفية وجيل” زي “.
وهو الجيل الذي ولد بعد عام 1995 حتى 2010 وتتراوح أعمارهم بين سنتين حتى عمر 23 سنة. وهناك تصنيفات أخرى تعتمد على مقياس السن المهني والتاهيلي في المؤسسة.
تعتبر فئة “بيبي بومرز” هم الذين ولدوا في فترة ما بين 1946 و1964 وأنهم مرشحون للتقاعد، وجيل “ايكس” المولودون بين 1965و1980 ويعتبرهم التصنيف صلب ادارة المؤسسة.
وأخيرا جيل “اي” الذين هم رهن سوق العمل. وعلى العموم يمكن اعتماد ابسط التصنيفات التي تعتمد وجود جيلين، الجيل الرقمي وجيل ما قبل عصر الرقمية.
ما هي صفات الجيل الرقمي؟
يستقر الرأي على وصف جيل الرقمية بالكفاءة الرقمية التي تعني القدرة على إعادة صياغة المعرفة لإنتاج معلومات من أجل التعبير عن النفس بشكل إبداعي ومناسب في بيئة رقمية.
وبحكم ان الجزائر لا تزال تشكو من مشكلة افتقاد المحتوى الرقمي، شانها شان مجموع الدول العربية، وجهنا صوب أعيننا الى إحدى المقالات التي كتبها مالك الذيابي متخصص في التسويق بولاية تكساس الأمريكية بخصوص هذا الجيل وصفاته ومميزاته معتقداته ووفوارقه عن الأجيال السابقة.
ويعتقد صاحب المقال أن هذا الجيل لا يستجيب للرسائل والمنتجات التي توهم بوجود عالم مثالي ليس به عيوب أو الجمال الكامل. كما انه يحب الاستقلالية في شؤونه ويقدر الخصوصية جدًا، ويتجه نحو ريادة الأعمال ويحب التوجيه الذاتي ولديه روح الإبداع.
وعن استخدام التكنولوجية والانترنت يعتبر صاحب المقال أن هذا الجيل هو الجيل الأعلى استخدمًا للتقنية.
ولهذا نلاحظ كيف تغير عهد التجارة الإلكترونية وغير المفاهيم لدى هذا الجيل عوضًا عمن سبقوه وحيث يقضي أصحاب هذا الجيل من ساعتين حتى أربع ساعات في مشاهدة اليوتيوب وأقل من ساعة يوميًا في مشاهدة التلفاز.
كما انهم لا يهتمون كثيرًا بالأشياء المادية ولكن يهتمون بالتجارب التي يمكنهم مشاركتها على صفحات السوشال ميديا.
ويخلص صاحب هذا المقال الخاص بالمجتمعات العربية إلى ان التساهل في عدم دراسة والبحث خلف هذا الجيل تسويقيًا مكلف للشركات ومكلف اجتماعيًا وعدم احتواء مشاهيره ومؤثريه من خلال الإرشاد والتوجيه السليم واستخدامهم لإيصال الرسائل الإعلانية والإعلامية بشكل قيمي ورزين مؤشر غير جيد ويصل للخطورة لأن هذا العالم أصبح كالقرية الواحدة فسهولة تأثر أفراد هذا الجيل بأشخاص في دولة أخرى أصبحت أكبر من ذي قبل ولهذا يجب إعادة صياغة الرسائل الإعلانية والإعلامية الموجهة لهذا الجيل بما يتناسب مع تفكيرهم وخصوصا إذا كانت تستهدفهم.
ان هذا الجيل – يقول السيد الذيابي ولد في عالم جديد كليًا وقد يوصف أحيانا بالسطحية واللامبالاة والرفاهية بسبب ما يمتلكونه ولكن هذه سنة التطور وسنة الحياة. لهذا يجب أن نتقرب من هذا الجيل لنفهمه ونتكلم لغته لأن الدراسات تقول ان هذا الجيل مختلف كليًا والفجوة كبيرة جدًا.
هل جيل ما قبل عصر الرقمية في الجزائر هو بالضرورة جيل دون الكفاءة الرقمية؟
رغم عدم توفر أدوات معتمدة للقيام بمقاربة في هذا الموضوع في بلادنا، إلا انه لا يختلف اثنان حول فكرة تأهيل الجيل الرقمي لأن يكون أكثر استعدادا من جيل ما قبل عصر الرقمية لكسب التكنولوجيا.
غير ان البعض يرى ان سبب ذلك لا يعود للسن، بل هو يرجع إلى النسبة الكبيرة التي يحتلها الشباب في المجتمع. كما ان هناك دراسات تبين ان التفاوت الرقمي والتكنولوجي بين الجيلين هو تفاوت نسبي وهو بعيد من أن يؤكد بشكل نهائي عزوف الجيل ما قبل العصر الرقمي عن هذه المكاسب التي أفرزتها العولمة.
ومما يجعل الفصل في الموضوع جد عسير تخلل العوامل الثقافية المؤثرة المختلفة بين جيل وأخر، إضافة إلى الفوارق في الإمكانيات والهياكل، علاوة على الاعتبارات الاجتماعية القائمة على القيم الدينية والعقائدية السائدة في كل وسط تعيش فيه الأجيال معا.
ودائما عن صعوبة التقدير ان في الجيلين هنالك الجيل الرقمي الأكثر ولوجا نحو الرقمية والانترانت، لابد من إشارة إلى أن هناك مقاربات توضح أن الجيلين يتقاسمان الأدوار في استخدام واقتناء وسائل الرقمية والانترانت، على أساس انه عادة يميل الجيل الرقمي أكثر إلى الترفيه الشخصي من خلال مشاهدته للأفلام على الإنترنت أو المدونات أو وسائل الإعلام الاجتماعية. بينما يتجه جيل ما قبل عصر الرقمية أساسا نحو النشاطات والمهام الإلكترونية الشخصية والإدارية أو الاستخدام المهني والأكاديمي للإنترنت.
ومن جهة أخرى يبرز استخدام شبكات التواصل الاجتماعي ظاهرة ان الجيل مقبلان عليها بالتوازي، غير أن الاختلاف يبقى بينهما في بروز بعض الظواهر الاجتماعية، إذ تشير نتائج بعض الاستطلاعات في هذا الموضوع إلى أن أفراد الجيل الرقمي اقل اهتماما بالاتصال مع عائلاتهم وأصدقائهم مباشرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
بينما يزداد هذا الاتصال مع الجيل الأخر الذي يجد في هذه التكنولوجيات وسيلة لتحسين علاقاتهم الاجتماعية مع أحبائهم عبر توفير اتصال فوري وواسع النطاق ولفك العزلة التي تتعاظم مع الازدياد في السن.
وعلى العموم، يختلف الناس من حيث اختياراتهم في استعمال التكنولوجيا والرقمية ، حيث ان أدوات شبكات التواصل الاجتماعي أكثر شيوعا في مجموعة الجيل الرقمي، بينما لا تقل استعمالا عند جيل ما قبل الرقمية.
وعلى العموم فان الاعتقاد ان جيل ما قبل عصر الرقمية لا يمكن إطلاقا أن يرقى إلى مستوى الجيل الرقمي من حيث المهارة الرقمية والتكنولوجية لا نظنه صحيحا إلا بنسب معينة.
هناك الكثير ممن هم فوق الأربعين وفوق الخمسين وفوق الستين وفوق الثمانين مهتمون بالمكاسب التكنولوجية بشكل ملحوظ ومميز. كما أن طلبات التطوير المهني في الإدارات والمؤسسات الجزائرية في ارتفاع.
وليس بالضرورة أن تكون لها علاقة بالعمر، فهم يتعاملون بأريحية مع التكنولوجيا، وطموحهم كبير لتأكيد وجودهم وهم حريصون على المزيد من اقتناء التكنولوجية الرقمية من اجل تعميق ممارساتهم المهنية وتثمين خبراتهم وتجاربهم بما يعينهم على وضعها في خدمة الجيل الرقمي.
الجيل الرقمي حاضر بهويته الرقمية بقوة في السنين القادمة
ان الجيل الرقمي توافقا مع جيل ما قبل عصر الرقمية هو اليوم في موقع بناء لهوية التي تختلف عن هويات الأجيال التي سبقته. كما سيظل بحكم طبيعة البيئة الرقمية التي نشأ فيها متبقيا على الهوية الرقمية للسنين القادمة بما سيجعله يؤثر بقوة في جميع أوجه الحياة.
ويقتضي في هذه الحالة أن يتكيف الجيل الذي سبقه مع تطلعاته وسلوكياته المميزة وان يصغى إليه رغم أن اندماجه في المؤسسات والمنظومات الإدارية سيبقى تجريبيا.
وفي مجال الحوكمة الإدارية سيبقى الجيل الرقمي أكثر تمسكا بمطلب الحوكمة الالكترونية بحكم مؤهلاته ومهارته الرقمية التي تفتح له المجال في التحكم أكثر في البيانات الرقمية.
اما مع القطاع الخاص سيظل الرهان على التجارة الالكترونية التي ستفتح للجيل الرقمي المجال واسعا للدخول في سوق المنتجات والخدمات على الانترنت، بما فيها الخدمات المصرفية عن طريق التكنولوجيات المالية التضامنية التي تسمح باستعمال أنماط ” البيتكوين” و” البلوشكاين” اوما نسميه ” فينتاك” او التكنولوجية المالية.
وفي ميدان التعليم سيظل الجيل الرقمي أكثر تشددا مع السلك التعليمي المنتمي الى جيل ما قبل العصر الرقمي،وذلك بسبب تدني الخدمات التعليمية والأنظمة البيداغوجية التي لم توظف لها المعلوماتية والرقمية. ومن هنا ستبقى التكنولوجية الرقمية أداة قوية لنقل المعرفة.
أما في المجال الصحي فقد اثبتت التجربة الجزائرية في التعامل مع وباء الكورونا ضرورة وأهمية الاستنجاد بمهارات الجيل الرقمي من خلال المؤسسات الناشئة التي كانت وراء اختراع أنظمة رقمية تطبيقية وبرامج معلوماتية خصصت لتكون أدوات ذات أهمية في خدمة الأسلاك الطبية سواء لمراقبة حالات الوباء او الاستطلاعات والاستكشافات الطبية وسط المواطنين.
كيف تستطيع الجزائر أن تحقق التوافق بين الجيلين
لا يمكن إطلاقا الجزم في الجزائر ان جيل ما قبل عصر الرقمية هو بالضرورة جيل دون كفاءة رقمية وذلك لافتقاد بلادنا الى مرجعيات إحصائية وإعلامية موثوق بها في مجال الرقمية والانترنت، ما عدا عدد مستعملي الهاتف المقدر بـ37 مليون مشترك في الإنترنت عبر خدمة الهاتف النقال خلال 2019 وعدد مستعملي فايسبوك البالغ 21 مستعملا.
ومن هنا وحتى الآن لم تجر أية دراسة او إحصاء عن عدد المؤسسات الاقتصادية والخدماتية المستعملة للبرامج الرقمية والأنظمة المعلوماتية للانترنت. كما لم نسجل الى يومنا هذا دراسة إحصائية عن هذا الاستخدام التكنولوجي في المنظومة المدرسية والجامعية، ولا في القرى والأرياف، ولا لدى مختلف الفئات الاجتماعية.
ومن منطلق التجارب السائدة في العالم توجد مقاربات يسعى أصحابها الى الدعوة الى إيجاد سبل تحقيق الانسجام بين الجيلين عوض تجاهله الذي يؤدي بالضرورة الى الإبقاء على جيلين متنافرين يمشيان على خطين متساويين لا يلتقيان. ومن ضمن هذه المقاربات ما يلي :
تعزيز بيئة رقمية يسود فيها التواصل المفتوح والصادق.
تشجيع أسلوب القيادة الذي يتماشى مع احتياجات وخبرة ونضج الناس في المواقف المختلفة.
الترويج لثقافة رقمية منفتحة تساعد على نشر روح التسامح مع مختلف الأجيال خاصة.
التأكد من أن تطلعات الأجيال المختلفة في المجال الرقمي واضحة للجميع.
تكوين فرق عمل متكاملة ومندمجة ومتعددة الأجيال من خلال الجمع بين الأشخاص ذوي الأهداف والمقاربات المتشابهة.
تشجع نظم الإرشاد المعتمد على أصحاب التجربة من الأجيال السابقة استكمالا للتوافق مع إسهامات وعطاء الجيل الرقمي
ونستخلص أن الجيل الرقمي ليس مجموعة متجانسة ولا يتميز افراده كلهم بالطلاقة او الكفاءة الرقمية في التكنولوجيا.كما ان الجيل الرقمي لا يتميز بالطلاقة الرقمية بالضرورة أكثر من جيل ما قبل الرقمية. ويلاحظ ان هناك فوارق في الكفاءة الرقمية لا ترتبط بالسن او الولوج بل هي ترتبط أيضا بالخصائص الديموغرافية والعوامل النفسية والاجتماعية، والمستوى التعليمي والنية السلوكية والفرص، الاستخدام الفعلي للتكنولوجيا.
وأخيرا فان التعامل الايجابي والمثمر مع الرقمية والانترنت لا يقتصر على بيئة أو جيل معينين، بل الأمر انه يحدث في ذكاء ومهارة المستعملين لها وفي اجتهاداتهم ومدى سعيهم إلى خلق إضافات لحياتهم ومساراتهم الاجتماعية سواء كانوا من الجيل الرقمي أو غيره.
مميزات الجيلين
جيل ما قبل العصر الرقمي
- يضعون حياتهم المهنية في المرتبة الأولى. قبل كل شيء
- يسعون إلى عمل مجزي اجتماعيًا.
- يمكنهم اختيار العمل لساعات معقولة لظروف العمل التي تأخذ في الاعتبار حياتهم الأسرية.
- من وجهة نظر مهنية، واجه هذا الجيل صعوبات في العثور على عمل طويل الأمد وبأجر جيد.
- لم يعد عملهم هومركز الاهتمام الرئيسي في حياتهم ؛ إنهم يعملون من أجل العيش الكريم.
- لتجنب المعاناة من البطالة، يفضل الكثيرون الاحتفاظ بوظائفهم، حتى على حساب الظروف الاجتماعية أوالمهنية السيئة.
- هم أكثر قدرة على الحركة وأقل ارتباطًا بوظيفة دائمة مع نفس صاحب العمل طوال حياتهم المهنية.
- يتولون المسؤوليات ويتخذون العديد من المبادرات.
- أصبحت عندهم فكرة الانتماء إلى صورة الشركة مهمة وموحدة، لصالح الإنتاجية.
الجيل الرقمي
- نشئوا مع شاشات الكمبيوتر وأجهزة ألعاب الفيديو. إنهم الجيل الأول الذي ولد بشكل كامل وحقيقي في عالم الإنترنت.
- إنه جيل التلفزيون والرقمي المنتشر في جميع القطاعات، سواء الخاصة أوالمهنية.
- جيل اجتماعي واصحابه يتواصلون ويتبادلون بسهولة.
- يبحثون عن نوعية حياة جيدة، حتى لوكان ذلك يعني تغيير المنطقة أوحتى البلد
- لم يعودوا يترددون في تغيير الشركات.
- يسعون الى التطور طوال حياتهم المهنية
- يسعون الى الاستمتاع بالنشاط واستثمار انفسهم وفقًا لكل التوقعات.
- إن فكرتهم المهيمنة اليومية هي القول المأثور للفوز.
- جيل مادي للغاية واستهلاكي بافراط ومنفتح على العالم الخارجي بفضل تقنيات المعلومات الجديدة.
- تهيمن التكنولوجيا على حياتهم اليومية، ولا يمكنهم العيش بدونها.
- الإنترنت هوأداة الاتصال الرئيسية للتفاعل، سواء في العمل الخاص أوفي العمل.
- جيل يعطي أهمية أكبر للمعلوماتية ويتجه بحزم نحووسائل الإعلام الجديدة.