في أحيان كثيرة استعجب من مؤرخين ورجال سياسة وحتى إعلاميين، يضربون أمثلة بمرجعيات اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية من مجتمعات أخرى، وينسون، بل ويتناسون، مرجعيات جزائرية ووطنية، لها من البريق ما يؤثر على الناس من بداية إلى نهاية قصة شخص أثر في الآخر، لكن لم يؤثر في المخيال الجمعي، لغيابه أو إقصائه، بسبب، وغالبا بدون سبب!
المثال الذي سأسوقه لاحقا، ليس مالك بن نبي، الذي أثر في محيط الجزائر وفي العالم العربي، ولم يؤثر في بلاده، لغيابه في التراجم التعليمية، والمرجعية النخبوية، ولغياب التأثير المتبادل بين الجامعة والشارع.
ولم أضرب مثلا بمحمد ديب، الذي شكل جزءاً من المخيال الجمعي الجزائري، ليس بسبب روايته وقراءاته المتعددة، بل بسبب مسلسل «الحريق»، أو «دار السبيطار»، مثلما هو شائع شعبيا. وتأثيره نابع من لمسة مخرج اسمه مصطفى بديع، عرف كيف يجمع العائلة الجزائرية حول يوميات عائلة جزائرية من زمن الثورة، وهي يوميات صاغها محمد ديب في «الحريق» بروح جزائري تشرّب الوطنية حتى فاضت في كل من تابع «الحريق»، الذي يعني فيما يعنيه من عنوان الرواية والمسلسل… اندلاع الصورة الجزائرية…
المثال الذي يحضُرني، في هذا السياق، هو لامرأة جزائرية فاحشة الثراء والكرم وعنوان كبير للتضامن، كانت في وقتها، مقابلا لـ»وزارة تضامن» من كثرة رعايتها للأيتام والفقراء والمعوزين، بين سيدي عيسى والجزائر العاصمة، مرورا بسور الغزلان، مسقط رأسها، ومدفنها.
هي العالية، التي تبرعت بـ8 آلاف متر مربع، حيث المقبرة التي تحمل اسمها، وفيها يرقد وطنيون وشهداء الجزائر، ورؤساء وشخصيات وطنية راحلة.
هي سيدة حوّلت أموالها الطائلة إلى «خدمة عامة»، في وقت كان الجزائريون يرزحون تحت نير الاستعمار الفرنسي، الذي حاربهم حتى في هويتهم. ولعل ذلك ما كان دافعا للعالية في إنشاء مدرسة في سيدي عيسى، بعقود قبل ظهور مدارس جمعية العلماء المسلمين… ومع ذلك تبقى هذه السيدة التي أسمّها «كبيرة الخيّرين والمتضامنين» في الجزائر، بعيدة عن الواجهة، ويتناساها مثقفون ومؤرخون وساسة، كثيرا ما يضربون الأمثال في مثل هذه المواضع، بغيرها…
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.