في سباق غير معلنٍ تتسارع فيه خطى الجميع لاستقبال الشّهر الفضيل ببيوت نظيفة جدد دهان جدرانها، وأواني اشتراها أصحابها خصيصا لتزيّن موائد الإفطار والسّحور، في إصرار كبير على إظهار سعادة المسلم بعودة الشّهر الكريم، تيمّنا بنفحاته الربانية وأجوائه الرّوحانية، فهو الشّهر الذي تغلق فيه أبواب جهنّم وتصفد فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر.
لكن رغم أنّ البيوت اكتست حلّة جديدة، إلاّ أنّها لم تستطع لم شمل عائلة أو أسرة فقد أفرادها عضويتهم فيها، واستقالوا من كل مسؤولية عائلية تفرض عليهم السؤال عن أب أو أم أو أخ أو أخت، تخلوا عن كل رابط معنوي بالعائلة وتمسّكوا بكل ما هو مادي، فقد أصبح الميراث أهم ما يجمع الإخوة حول طاولة واحدة قد تتحول مع مرور الوقت إلى أروقة المحاكم.
هي استقالة جماعية من العضوية المعنوية والروحية في الشهر الفضيل، فلا يمكن أن يكون الشهر الذي خصّه الله تعالى بنفحات ربانية مجرد معادلة حسابية، ولا يمكن ان تتحول التجارة الرابحة فيه إلى عدد أصفار سيضيفها التاجر إلى رأس ماله جهة اليمين، ومن الاستحالة أن تتحوّل روحانية الشهر إلى موائد إفطار يتفاخر بها أصحابها على غيرهم ممّن عجزوا عن مجاراتهم.
أليست قلوبنا أولى بعملية تنظيف شاملة كاملة قبل وخلال الشّهر الفضيل، لتسكن وتركن إلى الرضا والقبول، تهرع إلى خالقها بصلة الرحم التي تحوّلت إلى اسم عائلة فقط، والتضامن والتكافل بين أفراد المجتمع الواحد من أجل أن يغنم الجميع أجر الصيام بغير حساب؟
أليس الرّجوع إلى الله تعالى بتطهير الرّوح والنفس من شوائب دنيوية أفقدت الواحد منّا إحداثيات دينه لنصبح مجرد مسلمين بالوراثة لا بالعمل؟ فلا أخلاقنا ولا حياتنا ولا سلوكاتنا تعكس جوهر الإسلام وحقيقته، نقرأ القرآن لكننا لا نتدبره ليتحول مع مرور الوقت إلى مجرد كتاب (وحاشاه أن يكون) يزين مكاتبنا ولا يزيّن قلوبنا، نصلي فلا نخشع لدرجة أنّها لم تنهانا عن منكر ولا منعتنا عنه.
لماذا عجزنا عن تهيئة قلوبنا بتطهيرها من الغل والحقد والحسد حتى نعيش في سلام داخلي وروحي يمنعنا من أكل لحوم البشر بالنميمة والغيبة وامتصاص دمها بجشع تاجر لاهث وراء ربح سريع؟ لِم لا نقتنع ونؤمن قولا وفعلا أنّ التّجارة مع الله أربح تجارة وأكبرها فائدة.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.