لا تبدو عملية إقرار الأمن و الاستقرار في مالي سهلة، ولا طريقها مفروشة بالورود بل على العكس تماما، فمسار السلام بهذه الدولة الواقعة في واحدة من أكثر مناطق العالم توتّرا والتهابا، يواجه تحدّيات ومخاطر جمّة، لا تفرضها المجموعات الإرهابية فقط، بل جهات خارجية برتبة دول كبرى، تعمل على استمرار الفوضى والعنف، وخلق بيئة مناسبة لتثبيت أقدامها في المنطقة والاستحواذ على خيراتها.
المعضلة التي تواجهها دولة مالي، أنّها كلّما قطعت أشواطا في مسار تطبيق اتفاق «السّلم والمصالحة» الذي تمّ التوصّل إليه سنة 2015 بفضل جهود ووساطة الجزائر، إلا وتدخّل الدمويّون ومن يقف وراءهم لنسف النّتائج المحقّقة والعودة إلى المربّع الأوّل، مستغلّين كل الوسائل بما فيها اللجوء إلى الاغتيالات وسفك الدّماء، كما حصل مؤخرا مع سيدي إبراهيم ولد سيداتي، الرئيس الدوري لتنسيقية الحركات الأزوادية، وأحد الفاعلين المهمين في عملية السلام بمالي، حيث كان من الموقّعين على اتفاق «السّلم والمصالحة».
استهداف ولد سيداتي لم يكن صدفة، بل كان أمرا مقصودا لتعطيل قطار السلام، الذي تحّرك بدفع من الجزائر التي تحظى بثقة كبيرة لدى جيراننا الجنوبيين، فالرّجل كان واحدًا من الماليين المؤمنين بوحدة مالي، كما كان يحرص دوما على تحقيق التوافق والإجماع، حتى يجعل تحقيق السلام حقيقة راسخة، خاصة وأنه كان يرأس لجنة متابعة اتفاق السلام التي استأنفت منتصف فيفري اجتماعاتها في كيدال، وتمكّنت من جمع الحكومة والجماعات الموقعة على هذا الاتفاق لتسريع عملية تنفيذه وتجاوز الانقسامات والإختلافات.
سبب الاغتيال واضح كما نرى، وهو ضرب عملية السلام من خلال تصفية رئيس لجنة متابعة اتفاق الجزائر، وترهيب كلّ الذين يعملون من أجل عودة الأمن والاستقرار إلى مالي، ما يؤشّر إلى أن الجارة الجنوبية بحاجة إلى من يمدّها بيد المساعدة لتخطّي هذه المرحلة الصعبة.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.