عاد بنا “الدا موح” بذاكرته إلى الماضي، والتي لم تخنه رغم مرور قرن وخمس سنوات من الزمن على ميلاده، فروحه المرحة ما تزال ترافقه إلى غاية الآن.
جلوسي مع الدا موح المولود في 9 أفريل 1916، كان سفرا عبر الزمن من خلال حكايات وذكريات الصبى، ينسى بعض التفاصيل ولكن سرعان ما يتدارك الوضع في حديث سري مع نفسه، لتجود جعبته بآيات قرآنية وحتى أشعار من الشعر القبائلي القديم للشيخ “محمد الحوسين”، و”السي موح اومحند” وما يحما من رسائل ودروس الحياة.
الدا موح عرف معنى الصيام لأول مرة وهو ابن التسع سنوات، عاد بنا إلى أول يوم صيام فيها، فصيام الطفل لأول مرة حدث يحتفل به كل أفراد العائلة، ومن عادات العائلة القبائلية أن تتولى الجدة أو الأم التحضير له.
يختار أعلى مكان في البيت، عادة ما يكون سقف البيت ليجلس به الطفل، ثم تقوم إحداهما بطبخ بيضتين ودجاج للإفطار، كما يوضع خاتم فضة داخل كأس ماء، وعند الأذان يمنح الطفل شربة ماء من ذلك الكأس ليفطر بعدها بالوجبة التي حضرت خصيصا له.
بعد الانتهاء من الإفطار، يعتبر الطفل قادرا على التحمل والصبر لصيام بقية الشهر، ويشاركهم الطاولة من اليوم الموالي.
نكهة رمضان.. بين الماضي والحاضر
دا موح الذي شهد تغيرات عادات وتقاليد رمضان في منطقة القبائل، روى لنا أن رمضان في وقتنا الحالي مختلف عن زمانهم، أين كان إفطارهم يقتصر على كسرة الشعير أو القمح إلى جانب التين المجفف، الذي كان يتصدر قائمة الطعام لدى سكان المنطقة، بسبب العوز والحاجة.
وكانت صلتهم وثيقة بالأرض، فقد كانوا يكدون في عملهم من أجل الحصول على لقمة العيش مما تدر به الأرض من خيرات، ويقول أن في وقتهم لم تكن الأسواق متوفرة مثل الآن، وأنهم كانوا يقايضون ما يجنوه من الحقل بسلع أخرى، ونادرا ما يتم بيعها، لعدم توفر الأموال آنذاك.
يصف لنا عميد قرية آيت زعيم كيف كان أهل قريته يحضرون لشهر رمضان، بتقديم “الوزيعة” عشية رمضان، ليترقبوا بعدها هلال الشهر الفضيل. أما الأذان، فكانوا يسمعونه من القرى المجاورة.
بعد الإفطار يقصدون المسجد لصلاة التراويح وقراءة القرآن على يد شيخ الكتّاب، ولازال الدا موح يحفظ سورا وأيات قرانية يعرف معناها عن ظهر قلب، فيما لا تفارق السبحة يديه، وأضاف أنه كان كثير المخالطة لشيوخ ومدرسي القرآن.
حنين إلى القيمة الروحانية للشهر الفضيل
دا موح ورغم كبر سنه ما يزال محافظا على صيام رمضان، وقال بهذا الشأن إن “من يصومه يحبه الله”، فلا يشعر بأي تعب أو مرض، بالعكس من ذلك فروحه المرحة تشع دائما، فهو يمشى في القرية ويتبادل الحديث مع أهل قريته الذين يستمتعون بالحديث معه والاستماع إلى نصائحه.
دا موح قال إن نكهة رمضان فقدت الكثير من رونقها واندثرت كثير العادات، كما أن الجيل الحالي لم يعد مرتبطا بالمساجد مثل السابق، وعادات الأكل تغيرت فكل شيء متوفر الآن ولكن القيمة الروحانية للشهر الفضيل تكاد تختفي، حيث طغت العصرنة والانترنيت على كل شيء لدرجة لم تعد العائلات تجتمع وحتى سكان القرية أصبح كل واحد يعيش في عالمه الخاص وهذا ما جعل عادات التراحم وصلة الرحم وحتى التآزر تغيب عن المجتمع، وهو الأمر الذي تأسف له كثيرا، داعيا الله أن يلم شمل العائلات وأن يهدي الشباب إلى الطريق المستقيم.