تكلم الإمام من منبر المسجد فبهر الناس بفصاحته، ظنا منه أنه يدافع عن المسجد المظلوم، المسجد الذي حرم من الحرية التي يتمتع بها السوق والمقهى والمسرح حيث يزدحم الناس ويتكاثفون،
ولا يلقون بالا للتوجيهات والتوصيات والنصائح التي يتطلبها الحفاظ على الصحة، وتفرضها شروط الوقاية من انتشار العدوى بفيروس كورونا ومشتقاته الداء الذي أصبح يهدد العالم، ولم تسلم منه لا الأمم المتطورة ولا شعوب الدول الغنية المصنعة.
الدكتور بوعبد الله غلام الله
إ
ن سذاجة الإمام تكمن في كونه أراد أن يدافع عن المسجد ورواده ضد حرمانهم من الحرية أو الفوضى المنتشرة في السوق والمقهى المسرح و”السابلات”، وفاته أو نسى أن المسجد يقتدى به ولا يقتدى.
فإنه يقول للناس يجب أن يقتدوا بالنظام المحكم الذي التزمت به المساجد في الجزائر، وضمنت لروادها ألا يصابوا بالعدوى داخل المساجد، وفاته أن يدعو العامة والمسؤولين بأن يفرضوا على السوق والمقهى والمسرح هذا النظام الوقائي الذي التزم به المسجد.
لست أشك في أن الإمام لما حمل قفته وتوجه إلى السوق أن تصرف مثل المتسوقين، وأن خلع كمامته واندمج في وسط المستوقين والباعة منافسا لهم على ملء قفته والفوز بالمحتويات.
لقد تحول الإمام سوقه، وفَاتَهُ نداء أبي هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قام ينادي في السوق أيها الناس إن الغنائم توزع في المسجد فاهرعوا إلى المسجد لكي تنالوا حظكم منها.
إن أمامنا قلب النظام الإسلامي وجعل المسجد مقلدا بالسوق حتى ولو كان السوق على خطأ في متطلبات حفظ الصحة وغيرها من الصالح العام.
ذلك أن دور الإمام لم يأخذ من سيرة الصحابي الجليل، وإنما استقاه من النقابة التي حولته إلى موظف، همّه أن يكون مثل الناس، يطلب زيادة في مرتبه ويجتهد في أن يحصل على أكبر شيء من متاع الدنيا وبهرجتها.
وهكذا أمكنه أن يوهم ويغلط الملايين الذين تبادلوا خطابه النقدي على صفحات الموبيلات وهم يظنون أنهم وجدوا الحقيقة وأن المسجد مظلوم. أو منهى وأن المواطن يجد حريته في السوق أكثر من مما يجدها في المسجد.
لقد بلغ الوضع من الخطورة ما يحتم علينا أن نعيد النظر في تكون الأئمة وفي رد الاعتبار إلى وظيفة الإمامة، وثقافة الإمام، ورد الاعتبار إلى من يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحاريب والمنابر ومن يدعونا إلى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا في الحفاظ على صحة الناس وسلامتهم والخشية من أن يكون المؤمن سببا في نشر العدوى عدوى المرض وعدوى الانحراف، نحن في حاجة إلى إمام يجعل المسجد قدوة للسوق وليس العكس، نحن في حاجة إلى إمام يخشى الله وينقل إلينا خشية الله من موقفه وسلوكه ودعوته.