قدَرُ الرجال يبرز لما يرحلون، وصدق المثل القائل «لا نبي في قومه»… ينطبق هذا على الراحل علي يحيى عبد النور، الذي خاض معاركه إلى النهاية، واضعا حدّا يُميّز بين الطموح الشخصي والنضال من أجل القيم والمبادئ.
الرجل، قامة في الوطنية من خلال مسار نضالي طويل، بدأ بانخراطه في الحركة الوطنية المناهضة للاحتلال الفرنسي، ثم المشاركة في الثورة التحريرية، ليواصل حمل قناعاته بعد الاستقلال، فكان بحق أحد العناوين البارزة في المشهد.
ميزته، أنه بقي ضمن الرواق القانوني، مستلهما من مرجعية أول نوفمبر لبناء دولة ذات بعد اجتماعي، وطبيعي أن تحدث خلافات أثناء المسيرة بين المثل العليا والواقع.
تشبُّعه بمهنة المحاماة، جعلته بالتأكيد يقف بالمرصاد لخروقات هنا وتجاوزات هناك، لكن دائما كانت المصلحة الوطنية تاجا لا يقبل المساس به، واضعا معالم التمييز بين السلطة الخاضعة للتداول الديمقراطي والدولة الدائمة حضن كافة أفراد الشعب الجزائري.
بتصريحاته وخرجاته كان دائما يجيد تحريك المياه الراكدة من أجل التذكير بالقانون وممارسة حق الاختلاف بالكلمة الرصينة والتي ترتكز على معطيات وتنسجم مع الخط الوطني بكل ما يحتمل من آراء ونقاش ومعارضة بناءة.
لم يكن يخشى في قول رأيه لومة لائم، لكن بعيدا عن أي تهور أو تطرف أو غيره من سلوكات وقع فيها ساسة وأصحاب رأي انساقوا مباشرة في رواق التطرف اللعين، كما هو الحال لفئة ضالة تدعى «ماك» انكشف أمرها وفُضحت مشاريعها الهدامة في أرض رُويت بدماء ملايين الشهداء، لم يسألوا يوما عن انتماء ضيق، مقدمين للوطن الغالي أعز ما عندهم.
الاختلاف قيمة حضارية تعزز القواسم المشتركة التاريخية والجغرافية والوجدانية، بالنسخة الأصلية التي صاغتها الثورة التحريرية قاهرة الوجود الاستعماري وحاملة التطلعات الكبيرة للأجيال تحت شجرة الحرية.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.